فنون و ادب

جيفارا شعر العامية المصرية وشاعر العرب

عبدالرحمن الأبنودى

 

حاتم عبدالهادى السيد

فقدت مصر والعالم العربى شاعراً بحجم عبدالرحمن الأبنودى ابن مصر النيل وقرية أبنود بقنا والذى ولد عام 1938 م ، لأب أزهرى شاعر ، غرس فيه بذور الابداع ومحبة الترب الوطني والاهتمام بقضايا فقراء الصعيد ، فرأى عرق الكادحين ونبت فى أرجاء طين الأرض المصرية فوهب شعره لقضايا الانسان و التعبير عن هموم الفلاحين والبسطاء والكادحين ، لذا اختار اللهجة المصرية والشعر العامى والزجل للتعبير عن هؤلاء البسطاء .

عمل الأبنودى كاتباً بمشروع السد العالى وكانوا – كما حكى لى المرحوم المبدع / محمد مستجاب – هو والشاعر / و أمل دنقل والروائى / يحيى الطاهر عبدالله ، والمخرج / أحمد الخليلى – ابن سيناء – يعملون بالسد العالى ، وكانوا قد اتفقوا على الذهاب للقاهرة للبحث عن وجود لهم بين أضواء القاهرة حيث الشهرة والمثقفين الكبار : احسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وغيرهم وبالفعل شق كل منهم طريقه وأصبح لكل منهم مدرسة متميزة سواء فى الرواية أو الشعر أو الصحافة أو فى عالم الغناء والمسرح .

وفى القاهرة تعرف الأبنودى الى نهال كمال – رئيسة التلفزيون المصرى – وكان أن تزوجا – فكانت مرحلة أخرى للشهرة الواسعة .

لقد تلقف أغانيه الفنان محمد رشدى و شادية ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ وعلى الحجار وفايزة أحمد ومحمد ثروت وصباح وماجدة الرومى ومحمد منير وفايزة أحمد وغيرهم ، وكانت مصر آنذاك فى حروب مستمرة بين أعوام 1956 – 1973 م وفى هذه الفترة تغنى فنانو الوطن بكلمات شاعرنا التى كانت تثير حماس الشعب والجيش كمقدمة لانتصارات المصريين والعرب على الكيان العنصرى الصهيونى .

الأفلام التي شارك في كتابتها

كما كانت له عدة سيناريوهات وأفلام وأشعار شارك فى كتابتها فى التلفزيون والسينما منها : ” شىء من الخوف” و “الطوق والاسورة” ، وفيلم “عمر المختار” الذى كانت أشعاره يتغنى بها داخل الفيلم ، كما شارك فى كثير من أفلام فاتن حمامة وغيرها .

عاش الأبنودى محباً للوطن لكنه لم يكن شاعراً للسلطة فاختلف مع الرئيس عبدالناصر فتم ايداعه السجن ، ثم أفرج عنه وحاوله الرئيس محمد أنور السادات أن يختاره رئيساً الا أنه بادر بعمل عضوية فى حزب التجمع المصرى المعارض ليخرج من عباءة السلطة ليظل شاعر الوطن وضميره .

الدواوين

نشر الأبنودى أول دواوينه عام 1964: ” الأرض والعيال ” بتشجيع من فنان الكاريكاتير المصرى الكبير / صلاح جاهين ، ثم توالت دواوينه : ” الزحمة ” ، ” عماليات ” ، ” الفصول ” ، ” أحمد أبو اسماعيل ” ، ” وجوه على الشط ” ، ” صمت الأجراس ” ، ” المشروع والممنوع ” ، ” أنا والناس ” ، ” الموت على الأسفلت ” ، الأحزان العادية ” وغيرها من الدواوين ، وكانت قصيدته الشهيرة ” يامنة مثالاً لابن مصر الذى يشتكى لأمه حزن الأيام ومرارتها وما فعلت به وبالمصريين ، كما توالت دواوينه الكثيرة بعد ذلك وآخرها كان ديوانه المربعات الى جانب قصائد الثورة التى أرخت لثورة 25 يناير وثورة 30 يونية ، وأخيراً قصائده عن قناة السويس والتى كان قد كتب الكثير عن المفاومة الشعبية حيث كان يلقب بالخال الأبنودى انتساباً لخاله الكابتن غزالى شاعر المقاومة الشعبية فى السويس ، ومن هنا نشأت محبة للسويس والاقامة فيها لقربه من قناة السويس وسيناء فلقد كان عاشقاً لسيناء كذلك وكثيراً ما كان يقيم الندوات لدينا فى سيناء فى قصر الثقافة حيث استضفته وكنت رئيساً لنادى الأدب آنذاك وكانت حرب الخليج بين العراق والكويت على أوجها وألقى قصائده ” الاستعمار العربى ” تنديداً بضرب الكويت وتأكيداً على محبته للعراق ورفضة للتناحر بين العرب اذ كان شاعراً قومياً وتقدمياً وتنويرياً ، وفى قرية سما العريش كانت لقاءاتنا التى كنت أديرها وتعرض بقناة المحور بحضور رجل الأعمال المصرى الكبير د. / حسن راتب – عاشق سيناء – وكان الأبنودى يتواصل معنا و يحب الاستماع الى أدباء سيناء ويصفهم بالكبار وبعدهم عن الاعلام كشعراء الصعيد والأقاليم الذين يمثلون ذاكرة الوطن على الحدود .

كما نذكر للأبنودى مواقفاً رائعة طريفة فى مؤتمر شعر العامية الأول الذى أقامته الهيئة العامة لقصور الثقافة بجامعة جنوب الوادى بقنا وتألق الأبنودى يومها ثم استضافنا السياسى الشهير أ/ مصطفى بكرى فى منزله وكان ضيوف المؤتمر الفنان / سمير الأسكندرانى فى عهد وزير الثقافة الأسبق / فاروق حسنى ، والطريف فى المؤتمر أن أهدى المحافظ بقنا الأدباء منتجات مدينة قنا ” بلاص عسل ” و ” تمور قنا ” و” جبنة صعيدية ” و ” تمر هندى ” فقال لى ضاحكاً : هيا ” ياعرايشى ” نوزع الغلّة على الفقراء ، وكان يقصد الشعراء والأدباء لأن أغلب أدباء مصر فقراء حقيقة ، ثم ركبنا الطائرة ومعنا بلاليص العسل الصعيدى فى مشهد طريف وكان سعيداً بمنتجات قنا ، يوزعها بنفسه وأنا معه .

لقد كان الأبنودى مع كل الشهرة فى مجال الغناء واعداد السيناريو للعديد من الأفلام التلفزيونية والتسجيلية الا أنه كان مهتماً بالتراث الشعبى واعادة احياء هذا السفر الكبير بجمعه للسيرة الهلالية وانشاء أول متحف للسيرة الشعبية فى الوطن العربى بقنا وقد صدرت أعماله فى أربعة أجزاء كبيرة كما ملأ الصحف والمجلات بروايات جابر أبو حسين وغيره من روايات السيرة الهلالية وكان أن زار تونس والجزائر وليبيا والمغرب ليتتبع مسيرة السيرة الهلالية لأبى زيد الهلالى سلامة وما كتب عنه فى تونس ودول المشرق والمغرب العربى .

كما اهتم الأبنودى بكتابة الزجل والمقالات الساخرة على صفحات جريدة الأهرام المصرية الى جانب العديد من الدراسات الشعبية ، ولقد جمعتنا لقاءات معه مع الكابتن غزالى شاعر المقاومة الشعبية المصرية وكامل عيد رمضان فى أعياد السويس القومية لروايات ذكريات الحرب عام 1967 والمقاومة الشعبية فى حروب الاستنزاف ثم انتصارات أكتوبر المجيدة .

كما حاز الأبنودي جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية. كما فاز الأبنودي بجائزة محمود درويش للإبداع العربي للعام 2014.

اذن لم يمت الأبنودى ، بل هو بيننا حاضراً فى دواوينه وأغانيه فترانا نطرب مع عبدالحليم حافظ حافظ وهو يتغنى بأمجاد قواتنا المسلحة أثناء العدوان الثلاثى وانتصاراتنا فى حرب 1973م ، كما نغنى معه : ” تحت الشجر ياوهيبة ياما كلنا البرتقان ” ، و ” عدى النهار التى غناها عبدالحليم فى أوروبا اثر نكسة 1967 ، وأغنية ” لفى البلاد ياصبية ” وغيرها من أغنيات شادية ووردة ونجاة الصغيرة وغيرهم .

رحل جيفارا شعر العامية المصرية وشاعرة الذاكرة الوطنية والقومية العربية الذى رفع قضايا الوطن والأمة والتقى فيها بالرؤساء والملوك والسلاطين الذين احتفوا به وبمواقفه الوطنية وما قدمه لمصر وللأمة العربية والتاريخ الأدبى والتراثى والانسانى .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى