كتابنا

حاتم عبدالهادي السيد يكتب :قراءة في كتاب  هذا جناه انا”

 للشاعر والناقد/ أحمد اسماعيل 

 

حاتم عبدالهادي السيد يكتب :قراءة في كتاب  هذا جناه انا للشاعر والناقد.. أحمد اسماعيل

 

يمثل أدب السيرة الروائية حيزا كبيرا في مسيرة السرد العربي، القديم والمعاصر، وما السيرة الروائية إلا جزءا من السير الشعبية التي عرفناها مثل : سيرة الزير سالم، وحي بن يقظان، وأبو زيد الهلالي ، وعنتر بن شداد ، سيف بن ذي يزن وسيرة الأميرة ذات الهمة،وغيرها.

 

وتتميز السيرة الروائية بأنها تتناول السيرة ذاتية، وسيرة المكان، والأحداث التاريخية والإجتماعية التي عاصرتها الشعوب، فهي سيرة ذاتية جمعية للأفراد والشعوب، تستلهم التاريخ والأحداث والحكايات- عبر الميثولوجيا، وتعيد انتاجيتها من منظور معاصر. وهي تختلف بذلك عن أدب المذكرات الشخصيات، أو أدب التعليقات والشروحات السياسية والتاريخية، أو السيرة القصصية كذلك، إذ أنها تجسد حياة راوي السيرة، وتشتبك مع المعطى السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وتحيلنا إلى فيوضات السرد، وجمالياته، وهي التي أطلق عليها : أدب السيرة الحرة”، حيث الكاتب-هنا- غير مقيد بزمكانية، أو بموضوع ما ، بل هو يتذكر ويروي، لا أن يوثق ويسجل فحسب، وبالتالي أخرجنا من مضمار الأدب التوثيقي، ورواية السيرة وتشكيل الوعي .

 

وفي كتاب السيرة الروائية:” هذا جناه أنا “، للمبدع القدير والشاعر أ. أحمد اسماعيل ما يحعلنا نلحظ الفرق بين أدب المذكرات الشخصية، والسيرة الروائية.

لقد تناول المبدع القدير أ. أحمد إسماعيل السيرة الذاتية من منطلقات سردية، ودرامية، متجاوزا تسلسل الزمان، وعابرا بالمكان من بورسعيد إلى القنطرة شرق، عبر الرحلة والهجرة الإختيارية للزواج والإستقرار، في مقابل الهجرة القسرية الإجبارية لوجود الحرب ومعركة الصراع المصري الإسرائيلي في حرب ١٩٦٧م، وما كان من تهجير السكان والأهالي إلى مدن القناة، وإلى المدن والأقاليم المصرية ، هربا من جحيم الحرب، والدمار الذي طال مدن القناة آنذاك، فكان التهجير القسري بمثابة الهروب من الرصاص، وصوت المدافع والدبابات، وأزيز الطائرات، ومناظر القتل والدماء، وتدمير المنازل، إلى الداخل المصري، وهي هجرة عكسية، تعنى التشتت، والتهجير، وتغيير الجغرافيا والديموغرافيا لهذه الطبقات الإجتماعية من الشعب المصري، وكأنهم يهربون من الموت إلى الحياة الضبابية من جديد، او إلى المجهول الإجتماعي المعيشي من جديد.

 

لقد صاغ مبدعنا الجميل أ. أحمد إسماعيل حكايته، أو معزوفته، عبر تراجيديا السرد، وكأنها المعاناة عبر رحلة حياة مع المرض، والحرب، والهجرة إلى الخارج للعمل ولتوفير حياة آمنة له وزوجته في الكويت، ومرورا بالعراق ودول أخرى.

لقد عرف العرب منذ قديم الزمان- حقيقة – فن القصة، والحكاية، والحدوتة، وغير ذلك. وأدب السيرة، وتعتبر القصة التربوية، أو الحكايات التعليمية الهادفة من أهم أساليب التنشئة الإجتماعية، كما تعتبر من أقدم أساليب التسلية والإمتاع، فمنذ أن جلس البشر منذ القدم حول النار، يقصون حكايات جميلة مشوقة، من أجل الترفيه وتزجية الوقت، ولتبادل الحكم والمنفعة والخبرات، وهي وسيلتهم لتعليم الشباب والنشء والكبار، السلوك المستقيم، وهي منهاجهم -كذلك- لتقديم أنموذج القيم العربية، والإنسانية التي تساعد البشر في تقويم سلوكهم، والإستفادة من خبرات الآخرين، ونشر قيم المحبة والتسامح والعفو والسلام، والحق والخير والجمال، والتعامل مع مواقف الحياة لمجابهة متطلبات البشر، والتعامل مع الحياة،ومواقفها المختلفة.

ولقد أ. أحمد إسماعيل موفقا جدا في تقديم قصة طويلة، ماتعة، جمع فيها ثيمات السرد الحكائي والقصصي، وقدم أطروحته السردية متضمنة كل ما سبق، ليخرج من مجال القصة التعليمية إلى الأدب السير -ذاتي، أو السرد الروائي الذي قدم رحلة كفاح مبدع عبر سيرته الذاتية الخاصة، ولكنه كان حصيفا، فقد هرب من التصنيق عبر نظرية الأجناس الأدبية وقدم لنا:رواية، سيرة ذاتية، مذكرات خاصة، أدب الرحلة، أدب المرض والصمت والسكون، أدب المقاومة، في قالب ونسيج متداخل، عبر ثنائية السرد والشعر، وبدأ الرحلة الروائية، رحلة الكفاح المجيدة الباسلة، من أرض البسالة والمقاومة: من مدينته بورسعيد المقاومة، إلى القنطرة شرق الصامدة، ومن قبل إلى دمياط، ومدن اخرى، ثم يخرج بنا عبر سيميائية السرد من أدب السيرة الروائية إلى أدب الرحلات عبر العواصم العربية في الكويت والعراق والبلاد العربية التي زارها ليمزج، بوعي، ودون قصدية مقحمة-بين أدب الرحلة ، وأدب السيرة الذاتية، والرواية، عبر سرد لغوي رصين، وسبك متسلسل لهرمنيوطيقا السرد الذي أطاعه-طوال الوقت-بحيث يجعل القارىء لا يترك الكتاب إلا بعد أن ينتهي من آخر فصوله.

كما استطاع ا. أحمد إسماعيل أن يمزج السرد بلغة الشعر، عبر سرد متعالي، باسق وباذخ، وسامق، ويقدم النثر والسرد من باب التناغم والشعر المموسق، والسرد المتهادي كهدير يسير بجمالية ، وانسيابية فوق بحر متلاطم، يعكس مسيرة حياة ممتدة ، فيصف ما يتعرض له الفرد، الشباب المصري، في المهجر، من خلال تجربته الخاصة في العمل بإحدى شركات الكويت، والتى تعرف فيها إلى رجل الأعمال المصري  المهندس  محمد فريد خميس -صاحب شركات النساجون الشرقيون- وغيره من رجال الأعمال، والمهندسين، والعمال المصريين في الخارج. وفي رحلة البحث عن رغد العيش، نراه يصدم بالكثير من المشكلات في العمل، ويقوم بحلها، ولكن النجاح له أعداؤه في كل العصور والأماكن، فيعود إلى مصر ، موطنه الأجمل والأبهى من جديد.

لقد مثل : ( البحر ) لدى شاعرنا وكتبنا أ.أحمد إسماعيل عشق خاص، فهو القادم من ضفاف البحر المتوسط في بورسعيد، والعابر إلى قناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وعشقه للأسكندرية ليس له مثيل، ولقد رأينا ذلك منذ زواجه من “طاطا” -كما يدللها-،وهي الأديبة والروائية أ. فاطمة البيك ، ابنة مدينة العريش التي نزحت مع عائلتها إلى القنطرة والإسماعيلية بفعل الحرب، والتهجير من جانب الصهاينة أثناء نكسة ١٩٦٧م ،كذلك، ليلتقيان على أمواج شاطىء قناة السويس لتبدأ قصة حب خالدة، وسيرة حياة خاصة، وابداعية من جديد.

ومع معاناة الأقدار، وتعارضاتها لديهما، إلا أننا نلمح إنسانية أحمد إسماعيل الذي رفض جرح جيرانه ليلة زواجه، فألغى الفرح، واكتفي بعمل زفة جميلة طافت القنطرة شرق، لكن الشمعدان الذي أحضره من الكويت أبى إلا أن يعكر صفو ليلة الزفاف واحترقت الستائر، وكاد العروسان أن يختنقا، إلا أنه كإنسان رقيق اصطحب زوجته في شهر عسل ممتع، وكان البحر على شاطىء الأسكندرية هو رفيقهما الجميل.

كما يعرض شاعرنا وأديبنا معاناته عبر رحلته مع المرض اللعين، ويجابهه بالصبر والكتابة وبكل قوة وعزيمة، ليقدم لنا منهاجيات ” أدب المرض والسكون”، والتمرد بالإرادة والصبر، والإيمان، لينتصر على المرض، ومشاكل الحقد، وأعضاء النجاح ليعود من جديد إلى مصر، موطنه، ليعاود مسيرة الحياة مع محبوبته، ومعشوقته الجميلة

 

إن الكتاب يعرض لتاريخ المكان في حقبة تمتد إلى ما يربو عن أربعين عاما من عمر الحياة المصرية، وهي فترة النضال الوطني ، والزخم المصري الثقافي والمعرفي، وحركات النضال ومجابهة المستعمر الصهيوني الغاشم في مدن القناة وسيناء، وكانت المقاومة الشعبية بالسلاح، ومشاركة الجيش المصري الباسل في حروب التحرير، وحرب الإستنزاف، ومقاومة العدوان الثلاثي، إلى أن تحقق النصر في أكتوبر عام ١٩٧٣م.

كما يعرض الكتاب للكثير من مظاهر الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية التي تعرضت لها مصر منذ انتهاء الملكية في عصر الملك فاروق ورحيله، إلى فترة الضباط الأحرار، والقومية العربية والوحدة، وبروز مصر كقوة إقليمي عظيمة، وكدولة محورية-كما هي على مر العصور-لمجابهة الإستعمار الصهيوني الغاشم، ونصرة فلسطين ولبنان، وبنيان صرح العروبة من جديد.

 

إن كتاب المبدع الكبير أ./ أحمد إسماعيل ليس كتابا عن مذكرات خاصة عن الشاعر، بقدر ما يمثل من قيمة تاريخية وثقافية، وذاكرة للمكان في وقت نحن بحاجة فيه كمصريين وعرب لتسجيل الوقائع المجيدة ، وليظل الكتاب توثيقا لتاريخ المكان والسكان، والشعب المصري على خط المواجهة في مدن القناة وسيناء

سيظل كتاب :”هذا جناه انا” للمبدع والشاعر المصري / أحمد إسماعيل دمن أهم كتب السيرة الروائية في الأدب المصري المعاصر، وذلك لأن الكاتب مزج فيه بين السيرة والرواية، والشعر والسرد، وأدب المقاومة، وأدب الرحلات، والقصة، والحكاية، والتاريخ والمجتمع، وذلك في كتاب واحد، جديد، وجميل، عبر سرد نثري شعري ، وعبر المدينة الفاضلة للشاعر الجميل / أحمد إسماعيل ، على أرض النضال، أرض القنطرة شرق ، وبورسعيد، والإسماعيلية، وسيناء ،والسويس، وفي كل ربوع واقاليم مصر المختلفة.

إن هذا الكتاب يؤطر لمسيرة الثقافة والحياة المصرية – منذ الستيناتوإلى الآن- ويرصد حياة المصريين وتاريخهم وفكرهم، ومعيشتهم، وأحزانهم وأفراحهم،لتنطلق الأغاني الوطنية صادرة على أنغام السمسمية تغني على صوت طبول الحرب، وتنشد الحرية عبر هديل الحمائم، وطيور المحبة.

دعوا السلام ينمو في الأرض لتطير الحمائم في سلام .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى