واحة القسيمة: جسر بين التاريخ والطبيعة في قلب سيناء
تُعد واحة القسيمة واحدة من أجمل الوجهات السياحية والزراعية في شمال سيناء، وتحديداً في مدينة الحسنة، حيث تجمع بين التاريخ العريق والطبيعة الساحرة. واحة القسيمة، التي تحمل في قلبها “عين القديرات”، تُعتبر من أقدم العيون المائية العذبة في المنطقة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية لسكان البدو الذين يعتقدون أن اسم “القسيمة” مستمد من نبات القيصوم الذي ينمو بكثرة فيها، ما يعكس مدى ارتباطهم العميق بالطبيعة من حولهم.
تأسيس القسيمة كقسم إداري تابع لمركز الحسنة في وسط سيناء جاء في عام 2007، غير أن تاريخ الواحة يعود إلى عصور موغلة في القدم. فمن خلال بيانات محافظة شمال سيناء، يظهر أن واحة القسيمة كانت موطنًا للعديد من الحضارات القديمة، حيث يعتقد أن الإغريق كانوا أول من استوطنها، وبنوا فيها قلعة كبيرة لحماية المنطقة، والتي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم، ما يثبت عراقة المكان وتاريخه. مرت القلعة على مر الزمن بالعديد من الأحداث التاريخية، وشهدت مرور جيوش كبيرة مثل جيش صلاح الدين الأيوبي الذي أعاد ترميمها وتحصينها.
من أهم ملامح واحة القسيمة، “عين القديرات” التي تنبع من سفح جبال وسط سيناء، وتُستخدم مياهها العذبة في الري والشرب، مما يجعلها شريان الحياة للواحة. تُعد مياه العين سببًا رئيسيًا في ازدهار الزراعة في القسيمة، حيث تُروى بها بساتين الزيتون والعنب، ويشتهر زيت زيتون عين القديرات بجودته العالمية، مما يمنح الواحة شهرة كبيرة في مجال إنتاج زيت الزيتون.
يعود تاريخ “عين القديرات” إلى عصور قديمة، وتعتبر هذه العين نتيجة طبيعية لعمليات جرف التربة على مر الزمن بفعل السيول. هذه المياه العذبة التي لا تزال تتدفق حتى يومنا هذا هي سبب ازدهار سكان القسيمة واعتمادهم عليها بشكل كامل في حياتهم اليومية.
واحة القسيمة تميزت بتصميم شبكة معقدة من أنظمة نقل المياه، التي تتضمن أربعة خطوط رئيسية. الأول هو قناة حجرية قديمة كانت تستخدم لنقل المياه إلى القلعة، والثاني هو خط أنابيب حديدي يبلغ سمكه 8 بوصات، ويستخدم لنقل المياه من العين إلى مسافات بعيدة تتجاوز حدود القلعة. أما الثالث فهو خط أنابيب من القرميد، شيدته القوات البريطانية خلال فترة الاحتلال، ولم يُعرف إلى أين كان يمتد. والخط الرابع والأحدث هو نظام حديث مصنوع من الحديد بسمك 4 بوصات، يمتد على مسافة 5 كيلومترات تقريبًا ليصل إلى قرية القسيمة.
لم تكن واحة القسيمة مجرد واحة زراعية فقط، بل لعبت دورًا استراتيجيًا مهمًا خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كانت نقطة محورية في السكة الحديدية الشرقية التي أقامها العثمانيون ضمن محاولاتهم للسيطرة على سيناء وفلسطين. هذا الموقع الجغرافي المهم جعل من القسيمة جسرًا بين الحضارات وميدانًا للتاريخ العسكري في المنطقة.
اليوم، تُعتبر واحة القسيمة وجهة سياحية مهمة لعشاق الطبيعة والمغامرة، حيث توفر لهم فرصة تسلق الجبال المحيطة واستكشاف الطبيعة الخلابة المحيطة بها. القلعة والمياه المتدفقة من عين القديرات هما نقطة انطلاق للعديد من النشاطات مثل المشي لمسافات طويلة والتخييم في الطبيعة الساحرة. وتعتبر الخدمات التي يقدمها سكان المنطقة للسياح جزءًا لا يتجزأ من تعزيز الاقتصاد المحلي ودعم السياحة البيئية في سيناء.
تبرز واحة القسيمة كموقع يجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، مما يجعلها وجهة مميزة لمحبي الطبيعة والمغامرات وعشاق التاريخ، فهي ليست مجرد واحة، بل هي بوابة إلى الماضي والحاضر على حد سواء.