تاريخ ومزارات

ألغاز تونا الجبل: بين مقبرة بادى أوزير وأسرار السراديب

ما زالت المناطق الأثرية في محافظة المنيا تخفي بين طياتها العديد من الأسرار التي لم تكتشف بعد. عندما تطأ قدماك منطقة تونا الجبل بملوي، تجد نفسك أمام مقبرة بادى أوزير أو “بيتوزيرس”، حيث يبرز مبنى غامض تتضارب حوله الآراء. البعض يعتقد أنه مذبح، بينما يرى آخرون أنه مبخرة مخصصة للمقبرة. الغالبية العظمى من الآثاريين ترجح أنه مبخرة خاصة ببيتوزيرس وعائلته.

يروي الخبراء أن المصري القديم كان يعتبر البخور جزءًا لا يتجزأ من طقوسه الجنائزية، حيث استخدمه لطرد الأرواح الشريرة وحماية المومياء. وتحتوي مقبرة بيتوزيرس على جدار كامل يوثق أهمية البخور في الحياة والموت، ودوره المقدس لدى المتوفى. لهذا السبب، كان المصريون القدماء يحرصون على بناء مبخرة أمام المقابر على بعد لا يقل عن 8 أمتار، لتنبعث منها الروائح الزكية يوميًا، وتعم أرجاء المقبرة بروحها الطاهرة.

ومن المثير أن الآثاريين يفرقون بين مفهوم المبخرة والمذبح، إذ أن المذبح يكون عادة بعيدًا عن المقابر حتى لا تتأثر برائحة الدماء، ويكون بجوار المعابد. بينما المبخرة، كما يظهر أمام مقبرة بيتوزيرس، تتخذ الشكل الفارسي المميز. ويستدل الخبراء على ذلك بوجود مبخرة مماثلة أمام السرداب B في جبانة الأيبس بمنطقة تونا الجبل.

أما عن أسرار سراديب تونا الجبل، فتتضارب التفسيرات حول أصلها. الأثريون يشيرون إلى أن السراديب تعود لعصر البطالمة، وأقدمها يعود إلى الأسرة 26. غير أن كتابات فرج الجهمي، مدير تنشيط السياحة بملوي، تُظهر وجهة نظر أخرى. الأثري سامي جبرة، مكتشف السراديب ومرممها، الذي أعدها للزيارة، يشير في أحد كتبه إلى أن تونا الجبل كانت مدينة دينية قديمة، قدس فيها الطائر الأيبس وبنيت فيها المعابد. السراديب احتوت على قاعات ندوات دينية كانت تدار منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، تحت إشراف الأمير الكاهن خع أم واس، ابن الملك رمسيس الثاني.

ويعزز ذلك الفكرة بأن السراديب قد تكون أقدم من الأسرة 26، إذ أن الأمير الكاهن خع أم واس كان يشرف على تلك الندوات الدينية التي عقدها الكهنة في جميع الأراضي المقدسة المرتبطة بالأيبس في تونا الجبل. السرداب B، الذي يُعد من أجمل السراديب في تونا، يقدم دليلًا إضافيًا على الأهمية الدينية لهذا الموقع منذ الأسرة 19.

وفي الختام، يبقى تونا الجبل بمقابرها وسراديبها محط اهتمام الباحثين والآثاريين، بما تخبئه من ألغاز تاريخية، تنتظر من يكشف عنها النقاب. هذه المنطقة، بتراثها العريق وأسرارها الدفينة، تمثل إحدى أهم المواقع الأثرية في مصر التي لم تُفصح بعد عن كل ما تحتفظ به من كنوز الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى