حضارة حمير.. القوة اليمنية التي ازدهرت وسقطت بين المسيحية واليهودية
حمير، تلك الحضارة القديمة التي نشأت في اليمن، أسست دولة قوية امتدت نفوذها على معظم أنحاء جنوبي بلاد العرب. حكمت حمير مناطق واسعة تمتد من بحر القلزم (البحر الأحمر) إلى المحيط الهندي وحضرموت، بالإضافة إلى الأراضي الداخلية التابعة لأهل سبأ. كانت عاصمة دولتهم في ظفار، التي اختارها الملك شربئيل كمقر لحكمه.
حمير كانت على علاقة ودية مع الإمبراطورية الرومانية، ومع دخول المسيحية إلى اليمن في عهد الإمبراطور قسطنطين الثاني بين 337م و391م، ساهم المبشر ثيوفيلوس الهندي في نشر المسيحية في اليمن، حيث تم بناء الكنائس في عدن وظفار، واعتنق الحميريون المسيحية في ذلك الوقت.
الأحباش، الذين حكموا مملكة أكسوم، نجحوا في بسط نفوذهم على اليمن، واتخذ ملكهم لقب “ملك الحميريين”، وقد تزامن هذا مع فترة حكم الإمبراطور قسطنطين الثاني. بعض المؤرخين يعتقدون أن الحميريين كانوا في الأصل شعوباً أثيوبية، وهو ما ذهب إليه بعض المؤلفين البيزنطيين. بينما كانت روما تحتفظ بعلاقات جيدة مع الحميريين، لحماية مصالحها التجارية وللتعاون ضد الفرس الساسانيين الذين سيطروا على عُمان في تلك الفترة.
في عام 521م، قاد اليمنيون بقيادة ذي نواس ثورة ضد الأحباش. ويُقال إن ذي نواس تحول إلى اليهودية وبدأ اضطهاد المسيحيين في نجران. لكن حكم الحميريين لم يدم طويلاً بعد ذلك، فقد سقطت البلاد تحت الاحتلال العسكري الفارسي، ومع دخول الدعوة الإسلامية، كانت مملكة حمير قد انتهت، حيث انضم أفرادها وسلالة الفرس المحتلين إلى الإسلام.
الحميريون كانوا يتحدثون لغة عربية تختلف قليلاً عن لغة الشمال في مفرداتها وبعض خصائصها النحوية، مما يعكس التنوع اللغوي في شبه الجزيرة العربية.
في كتاب “قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان” للقلقشندي، تم ذكر حمير بأنها تعود إلى حمير بن سبأ، الذي كان له عدة أبناء منهم الهَميسع ومالك، بينما أضاف ابن الكلبي في جمهرة النسب أبناء آخرين مثل يزيد، عريب، ومسروح. وكانت ملوك اليمن من التبابعة ينتمون إلى حمير باستثناء فترات قصيرة حكم فيها بنو هلال.
ومن أبرز القبائل الحميرية كانت قبيلة شعبان، التي ارتبطت بعالم الفقه في صدر الإسلام من خلال الفقيه عامر بن شراحيل الشعبي. كما تم ذكر قبيلة زيد الجمهور، وهي قبيلة عظيمة ضمت بني الحارث ونعيم ومسروح، وقد كتب النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى بني عبد كلال من هذه القبيلة يدعوهم إلى الإسلام، فآمنوا.
في النهاية، ورغم عظمة حضارة حمير، إلا أن تأثيرها اندثر بمرور الزمن، خاصة مع دخول اليمن في مرحلة الإسلام بعد سقوط حكم الحميريين.