قصر أنطونيادس: منارة الثقافة في الإسكندرية
القصور التاريخية في مصر ليست مجرد مباني أو شوارع، بل هي صفحات حية من تاريخ يروي قصصاً، أسماءً، وشخصيات تجسد أحداثاً مهمة. إنها رموز لفترات معمارية ماضية وملامح لعصر مضى، تعكس ثقافة مجتمع شهدت تقلبات الزمن، ولكنها لا تزال تحمل شيئاً من عبق الماضي، محفوراً في لمسات هنا وهناك.
يعتبر قصر أنطونيادس، الذي يمتد على مساحة 50 فدانًا، تجسيدًا لمدينة وجدت لتكون ملتقى حضارات البحر المتوسط. إذ تجمع هذه الأرض بين الهوية المصرية والبناء اليوناني، بالإضافة إلى تأثيرات الطراز الفرنسي والإيطالي والروماني والأندلسي. في عام 1917، قرر البارون اليوناني أنطونيادس إهداء قصره وحديقته للحكومة المصرية، ليصبح ملكًا لهذا البلد الذي يحتضن الحضارات.
لم يُعطَ القصر حقه في التعبير عن موقعه وتاريخه، حيث شهدت حدائقه حفلات نخبة المجتمع السكندري من جميع الجنسيات. ومع ذلك، قرر المحافظ أن يُحوّل القصر إلى جزء من مكتبة الإسكندرية، لتكون له مكانة ثقافية مميزة في منطقة البحر المتوسط.
موقع القصر وحديقته
يقع قصر أنطونيادس في المدخل الجنوبي للإسكندرية، محاطًا بحدائق النزهة والزهور وحديقة الحيوان والحدائق النباتية، وهي جميعها جزء من حديقة النزهة الكبرى، التي تعود إلى عهد البطالمة في 300 ق.م. كانت هذه المنطقة تُعرف بجنات النعيم، حيث كانت مقصدًا للترفيه.
مع مرور الزمن، تم تقسيم الحديقة إلى أقسام مختلفة، كانت مملوكة لقياصرة من دول عديدة، وعندما تم حفر ترعة المحمودية في عهد محمد علي عام 1802، زاد الاهتمام بهذه الحدائق التي كانت مملوكة لأحد أثرياء اليونان.
تاريخ الحديقة
في عهد الخديو إسماعيل، قام الفنان الفرنسي “بول ريتشارد” بتطوير الحدائق على طراز حدائق فرساي، وشرع في توسيع المساحات حتى وصلت إلى حدود نادي سموحة الحالي، طامحًا إلى جعلها متنزهًا يحاكي غابات بولونيا في باريس.
وفي عام 1860، انتقلت ملكية الحدائق إلى البارون اليوناني “چون أنطونيادس”، الذي كان أحد أعمدة الاقتصاد السكندري. قرر البارون بناء قصر مهيب على نمط قصر فرساي، مدمجًا لمسات معمارية متنوعة. بعد وفاته عام 1917، نفذ ابنه أنطوني وصيته بالتبرع بالقصر للحكومة المصرية.
أهمية القصر التاريخية
شهد القصر العديد من الفعاليات التاريخية، منها الاجتماع التحضيري لإنشاء جامعة الدول العربية عام 1944، بحضور الملك فاروق وملوك آخرين، بالإضافة إلى أنه كان مكانًا لقضاء شهر العسل لشاه إيران وعروسه.
وعلى مر الزمن، كانت حدائقه مقراً للعديد من الحفلات الهامة، منها حفلات أضواء المدينة ومهرجان سكندريات العالم. كما تم تجديد القصر بمشاركة مؤسسة أوناسيس للثقافة، لتخصيص متحف لمقتنيات أسرة أنطونيادس.
القصر مزين بالأعمدة الخشبية، ويحتوي على تماثيل إغريقية رائعة. وحدائق أنطونيادس تحتوي على أشجار النخيل ونباتات معمرة، بالإضافة إلى حديقة الورود التي أُنشئت عام 1928، وتضم 32 نوعًا من الورود.
أما حديقة المشاهير، فهي تضم تماثيل لشخصيات عالمية مثل كريستوفر كولمبس وماجلان، مما يعكس الهوية الحضارية للبارون اليوناني، الذي أبدع في تقديم نماذج من حضارة بلاده العريقة.