حاتم عبدالهادي السيد يكتب :النظرية التكاملية للنقد والإبداع
حاتم عبدالهادي السيد يكتب :النظرية التكاملية للنقد والإبداع
تمثل نظرية الأجناس الأدبية – كما أرى- اللبنة الأولى نحو بناء نظرية عربية نقدية معاصرة، تجمع الآداب والفنون والعلوم والمعارف والفلسفات، عبر أبنية نصية،وأنساق معرفية وجمالية، ولغوية، تمثل جوهر عمليه الإبداع -غير منحازة لفن، أو علم- بل تؤطر لتشابك وتلاقي الفنون والآداب والعلوم وتلاقيها داخل كتابة ( عبر النوعية) أو عبر الأدب العابر للأجناس.
ومن هنا يمكننا اعتماد نظرية عربيه نقدية لقراءة العمل الأدبي، بل وقراءة العالم والحياة والظواهر الإجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغير ذلك.
وتعتمد الرؤية الجديدة(النص) كإطار جامع، أو كرمزية تتمحور داخل الأنساق والأبنية النصية، وهو ما نطلق عليه: ( النظرية التكاملية النقدية) التي تعتمد كل ما سبق ،لتشكل بمعية اللغة- منهاجا للقراءة الأدبية للنصوص، أو لقراءة العالم عبر أطره السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية واللغوية والجمالية، وغيرها.
وأعتبر القصيدة والقصة والرواية، و أدب السيره الذاتية الحكائية، أو الروائية هم المدخل المناسب للنقاد -حسبما ارى- لتشكيل منهاج عربي نقدي ذا أطر تكاملية، بعد أن كثرت المصطلحات الأجنبية،والنظريات الغريبو عن مجتمعاتنا،وعن الذوق العام الشرقي العربي الاسلامي الممتد.
إن الوعي بوجود نظرية عبر السياق المخيالي للناقد، يفتح الأفق أمامه لإجتياز مسافات، ومحطات جديدة لكسر العوائق التي تشكلها النظريات أمام انطلاقة المبدع،والناقد معا، حيث يسعي الناقد-هنا- لتشكيل نص مواز نقدي للقراءة الأدبية، وليخفف القيود النقدية التي شكلتها نظرية “الإستقراء”، واستقرار المناهج الغربية في ذهنية نقادنا العرب، عبر قراءاتهم السيمولوجية، والأركولوجية،والأبستولوجية، وغير ذلك .
ومن هنا يجب تعريف النظريه التكاملية للنقد والإبداع العربي -حسبما أرى- بأنها النظرية التي تبحث عن جوهر المعنى ،بحكم تلاقي وتداخل الأجناس الأدبية، وهي النظريه التي تفتح الآفاق الممتده تجاه الدراسة المستفيضة للنص، والتي تستفيد من المنجز الثقافي والجمالي،والفني والعلمي، وتفتح الآفاق لتلاقي وتداخل العلوم والفنون، والقضايا الإنسانية الفكرية والمعرفة والجمالية والفنية، بما يشكل نظريه كلية تكاملية للحياة، حيث النص يطرح منهاجيات قراءاته المتعددة، بعيدا عن الأيدولوجيا، ويجعل النظرية شكلا استرشاديا في خلفيه ذهنية الناقد، ليفجر طاقات النص، وجمالياته المتراءاة، وما خلف ظاهر النص، بغية كشف جوهر النص من خلال المعنى الظاهر والسياقي، ومن خلال ما ورائيات المعنى التي تفتح مغاليق النص، – وربما- إلى فضاءات التأويل، وبناء عالم مواز نقدي، إلى جانب رؤية المبدع، فقد تتطابق الرؤيتان، أو تتباعدتان أحيانا، لكنهما تلتقيان عبر النص، الذي يمثل المعنى. ومن هنا تتلاقى فكرة ( نظرية المعنى) التي أنتهجها لفهم وتفسير وتحليل وتأويل المعاني والطرائق التي يطرحها النص، ويشتبك معها كذلك، بغيه الوصول إلى جوهر النص، أو البنية العميقة- البعيدة السرية- أو المختفية هناك خلف ظاهر النص، أو بين ثنايا انساقه،و تدوراته ،ومتعالياته، ومتعالقاته عبر التناص والتضمين : ” عبر النصية”- وعبر الإزاحة، والتضام، والتقارن، وعبر فكرة سيادة النسق، التي تشكل مع “عبر النصية”، البنى الداخليه العميقة له ،واضعين ضمن تحليلاتنا النقدية فكرة : (البحث عن المعنى) الذي يشكل : الحقيقة،واليقين، والبرهان، ونقيضهما معا، لينفتح المنهاج النقدي المعاصر على ما بعد الحداثة، التي تعتمد التناقض والأضداد لتشكيل جوهر النص، وتشكيل العالم الإنساني في شكله الجديد، الذي يستفيد من الميديا ،والتقنيات والشبكة العنكبوتية والذكاء الإصطناعي، لبناء نسق فكري مواز، ونسق نقدي جامع للعلوم والفنون والفلسفات والمعارف، بغية فهم المعنى، عبر التفكيك تارة،والتحليل والتأويل تارة أخرى، وعبر تناقضات البني النصية والأناقة تارة أخرى، بغيه تفسير النصوص والرؤى، والظواهر المجتمعية، والفكرية،والفلسفية، والكونية والإنسانية، من منظور النقد الذي لا يركن إلى قيود النظريات، بل يستفيد من تلاقيها وتشابكها، وربما تناقضها لتفسير النصوص والظواهر والعالم.
ويقيني أن تلاقي الأجناس الأدبية مثل : الشعر والقصة والرواية، وأدب السيرة الذاتية، أو أدب المذكرات الشخصية، أو كتابة الذات عبر السرد الحكائي المتناغم ، وتلاقيهم مع الفنون والفلسفات، هو ما يفتح الآفاق لسيكولوجيه الإبداع الذاتي الحر، ويعبر بالنص الأدبي خارج حدود الأطر والأيديولوجيات، والمفاوز التي تقيد الخيال، ليتحرر العقل النقدي العالمي من عقده وطبقيته وعنصريته، التي تستلب المعنى، وتنتج وتنتج الطائفية، والواحدية، بينما ينشد العالم التعددية، والتوافق والاختلاف كذلك، عبر عالم تتصارع فيه الحضارات لتغليب نظام” ارادة القو ة”، وصراع الهيمنة، وتذويب الهويات، وغير ذلك . وتجيء اللغه لتمثل البراح الوسيع للتواصل الانساني، ولتحرير العالم وتوجيهه لإعمار الكون، والعالم والحياة.
وفي النهاية: إن التقاء الثقافات عبر الحوار، هو الذي ينتج التعددية والتنوع ،والشراكة الانسانية الممتدة في كل مجالات الحياة، ولابد أن تتسيد النظرية الإنسانية الكبرى للحياة، لنقول للعالم : ” دعوا السلام ينمو في الأرض، لتطير الحمائم في سلام “.
حاتم عبدالهادي السيد
ناقد مصري، رئيس بيت الشعر الإفريقي.