إسرائيل تعيد دروس الماضي في لبنان: هل تقع في فخ حرب استنزاف جديدة؟
نوه أيمن سلامة، ضابط الاتصال السابق لحلف الناتو في البلقان وخبير حفظ السلام الدولي، أن إسرائيل تستلهم دروس غزوها للبنان عام 1982 خلال عمليتها البرية الجارية حالياً في جنوب لبنان. في ذاك العام، احتلت إسرائيل بيروت وانتهت الصفقة بإبعاد المقاومة الفلسطينية المسلحة من ميناء بيروت، وكان للولايات المتحدة دور محوري في ترتيب هذا الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية.
سلامة أشار إلى أن ما تسميه إسرائيل اليوم “عملية عسكرية محدودة” يذكّرنا بغزو 1982، عندما لم تتوقع إسرائيل الغرق في “المستنقع اللبناني” وتكبُّدها خسائر فادحة من حزب الله وحركة أمل والفصائل الفلسطينية. وبالرغم من أهدافها آنذاك بتأمين الجبهة الشمالية وتوقيع معاهدة سلام مع لبنان، إلا أن اغتيال الرئيس بشير الجميل أحبط تلك الجهود، مما دفع إسرائيل للبقاء في لبنان لثلاث سنوات خسرت فيها نخبة من قادتها وضباطها بسبب أخطاء تكتيكية والتقليل من قدرات المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
وفيما يتعلق بالوضع الحالي، يلفت سلامة إلى أن إسرائيل تدّعي أن عمليتها في لبنان ستكون محدودة وسريعة، وهو ما كان هدفها أيضاً في 1982، لكنها عانت حينها من خسائر اقتصادية هائلة. بلغ التضخم في إسرائيل 400%، وانقسم الشعب على نفسه جراء الخسائر، مما أدى في نهاية المطاف إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان عام 1985، واكتفائها بالدفاع عن حدودها الشمالية عبر “المنطقة الأمنية” التي أنشأتها في جنوب لبنان، وهي استراتيجية تسعى إسرائيل لتكرارها اليوم.
ورغم الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 تحت وطأة الضغوط الداخلية، يرى سلامة أن إسرائيل تتجهز لمعركة قد تكون طويلة الأمد ضد حزب الله، الذي اكتسب خبرات واسعة منذ ذلك الحين. فالجيش الإسرائيلي يمتلك الآن خبرة كبيرة في عمليات الإنزال البحري وحروب المدن، خاصة في مناطق مثل صور وصيدا، فضلاً عن قطع طرق الإمدادات بين لبنان وسوريا. لكن سلامة يحذّر من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيواجه تحديات كبيرة، خاصة مع التطور النوعي لحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة في مجال الصواريخ الباليستية والمضادة للدبابات، بدعم من مستشارين إيرانيين.
وأوضح سلامة أن هذه الصواريخ تشكل نقطة ضعف كبيرة لإسرائيل، التي تعود طموحاتها في جنوب لبنان إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما خططت لاحتلال المنطقة حتى نهر الليطاني. ومع ذلك، فشلت إسرائيل في تحقيق هذه الأهداف، وخاصة في حرب 2006 التي جرت خلالها حرب استنزاف طويلة كلفتها خسائر كبيرة.
ختاماً، يؤكد سلامة أن سير المعارك بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي سيحدد مدى استمرار الحرب، وليس فقط العملية البرية في جنوب لبنان. إسرائيل تخشى أن تنجر إلى حرب استنزاف طويلة مثل التي شهدتها من عام 1982 وحتى انسحابها عام 2000، كما حدث أيضاً في حرب 2006، وهو ما يجعلها تطلق على عمليتها الحالية اسم “عملية عسكرية محدودة”، رغم أنها قد تكون أكثر تعقيداً مما تتوقع.