قبائل و عائلات

المهرة: أرض اللبان ومهد الحضارة القبلية في الجزيرة العربية

تمتد أرض المهرة، التي تحمل اسم قبيلتها، من عين بامعبد في شرق حضرموت حتى تخترق أراضي سلطنة عمان. يحدها من الشمال الربع الخالي ومن الجنوب بحر العرب، وتعد من أهم المناطق ذات التاريخ العريق في الجزيرة العربية، حيث سكنت هذه الأرض قبيلة مهرة بن حيدان بن قضاعة منذ العصور القديمة. تلك القبيلة التي ارتبطت بها الأرض وأصبحت معروفة بها.

تاريخ المهرة

في شمال المهرة، تقع أرض الأحقاف المشهورة تاريخيًا، بينما تحدها من الشرق والجنوب أرض الشحر، إحدى المناطق التي شهدت تطورًا اقتصاديًا كبيرًا في الماضي. وقد كانت المهرة تلعب دورًا محوريًا في التجارة عبر الزمن، حيث اشتهرت بتجارة اللبان الذي كان يعد من أغلى السلع التجارية في العصور القديمة، وساهمت المهرة بشكل كبير في ازدهار حضارات جنوب الجزيرة مثل سبأ وقتبان ومعين وحضرموت.

نسب قبيلة المهرة يعود إلى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وهو ما أورده المؤرخ ابن الكلبي في كتابه “معد واليمن الكبير”. وقد توسعت القبيلة عبر الأجيال لتشمل العديد من الفروع، مثل الآمري والدين ونعمي، ومنهم من اشتهر في التاريخ كقبائل العيدي التي كانت تربي الجمال الشهيرة والمعروفة بقدراتها الفائقة على التحمل والسرعة. ولعب أبناء مهرة دورًا في العديد من الفتوحات والمعارك الإسلامية، حيث وفد بعضهم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وساهموا في نشر الإسلام.

إلى جانب أهميتها الاقتصادية والتجارية، كانت المهرة تتميز بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وهو ما جعلها موطنًا لزراعة اللبان الذي كان يعد من السلع الثمينة في ذلك الوقت. وقد لجأ سكان المهرة إلى نسج الأساطير حول هذه المنطقة لإبعاد الطامعين والغزاة عن حقول اللبان، كما أشار الدكتور محمد بافقيه في دراسته للتاريخ القديم للمنطقة، حيث وصف جبال المهرة بأنها وعره ومغطاة بالسحب، كما أنها محصنة بحصن عند رأس فرتك، وكانت جزيرة سقطرى أيضًا جزءًا من هذه المنظومة الاقتصادية، حيث مثلت مركزًا للتبادل التجاري للسفن القادمة من الموانئ اليمنية.

أما عن الجمال المهرية، فقد كانت هذه الإبل مضربًا للأمثال بين العرب لقدرتها على التحمل والسرعة، إذ اشتهرت بالإبل العيدية التي كانت تعتبر من أنقى وأفضل أنواع الإبل. وقد احتفظت هذه الإبل بمكانتها حتى اليوم، وتعد من التراث المميز لقبيلة المهرة.

من الناحية الاجتماعية والتجارية، كانت المهرة وقبائلها جزءًا أساسيًا من الاقتصاد البدوي القديم في اليمن، حيث عمل أبناؤها في النقل التجاري على الطرق القديمة التي تربط الشمال بالجنوب. ولعبت هذه الطرق دورًا محوريًا في تجارة اللبان، الذي كانت المهرة تعد موطنه الأساسي، مما جعلها مركزًا للتجارة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام.

وخلال العهد الجاهلي، استمر دور المهرة كأحد أبرز القبائل التي تعمل في التجارة والنقل، خاصة عبر طريق اللبان الذي كان يربط مناطق واسعة من جنوب الجزيرة العربية بمناطق الشمال. هذا الدور الذي جعل المهرة جزءًا لا يتجزأ من تاريخ اليمن القديم، وحافظت على مكانتها المتميزة حتى العصر الإسلامي، مستمرة في تأكيد هويتها الحضارية والتجارية التي جعلت منها أحد أعمدة التاريخ العربي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى