محمد سعيد الريحاني: رحلة من القصر الكبير إلى عالم الأدب والإبداع
ولد محمد سعيد الريحاني في مدينة القصر الكبير شمال المغرب، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، قبل أن ينتقل إلى تطوان لمواصلة دراسته الثانوية والجامعية. تخرج في عام 1991 بشهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي عن بحثه الذي تناول إشكالية المساواة في مسرح جورج برنارد شو.
من هو محمد سعيد الريحاني
بدأ الريحاني مشواره الأدبي منذ سن مبكرة، إلى جانب اهتماماته المتنوعة بالشطرنج والرسم والموسيقى والسينما والمسرح. لعبت شقيقته الكبرى دوراً كبيراً في توجيهه نحو الفن التشكيلي وأساليب التعبير المختلفة، مما أكسبه مهارات مبكرة في الملاحظة والتعبير الفني. ومع دخوله المرحلة الإعدادية، اكتشف موهبته في الكتابة من خلال دروس الإنشاء، حيث أدهش أساتذته بأساليبه الإبداعية ورؤاه المتميزة، مما أثر بشكل عميق على تطوره ككاتب.
كانت قراءاته الأولى غير عربية، نظراً لمحدودية مكتبة المدرسة، فبدأ بقراءة الأدب العالمي، وكانت رواية “البؤساء” لفيكتور هوغو أول عمل أدبي يتعمق فيه، ما جعله يعشق الأدب المكتوب. توسع في قراءاته من خلال المكتبة البلدية وتبادل الكتب مع الأصدقاء، ليبني لنفسه قاعدة معرفية غنية بالأدب العالمي.
في سن السادسة عشرة، قرر كتابة مذكراته الخاصة بتجربته في القسم الداخلي في ثانوية جابر بن حيان بمدينة تطوان. بدأ في الكتابة بالفرنسية لتقوية لغته، لكنه تحول لاحقاً إلى الكتابة بالإنجليزية بحكم دراسته للأدب الإنجليزي. ومع دخوله الجامعة، تعمقت نظرته للإبداع الأدبي، حيث انفتح على الأدب العالمي بلغته الأصلية، مما صقل تجربته القرائية والكتابية بشكل جذري.
تعرف الريحاني خلال دراسته على كبار الأدباء مثل جيمس جويس، صامويل بيكيت، ويليام فولكنر، وألبير كامو، الذي قرأ له “الغريب” أكثر من عشر مرات. تأثر أيضاً بأفكار فلاسفة مثل جان بول سارتر وميشيل فوكو، مما عمّق من رؤيته الفكرية والأدبية.
بعد تخرجه، بدأ مرحلة جديدة في حياته، حيث تحول للكتابة باللغة العربية، ليخاطب جمهوراً يتقاسم معه نفس الآمال والتحديات. كان أول نصوصه باللغة العربية بعنوان “افتح يا سمسم”، وبدأ إنتاجه الأدبي بالتزايد مع بلوغه سن الثانية والثلاثين.
يرجع الريحاني غزارة إنتاجه الأدبي إلى إيمانه بحكمتين: الأولى للفيلسوف جورج برنارد شو الذي يعتقد أن الكاتب يجب أن يبني فلسفته الخاصة قبل أن يبدأ الكتابة، والثانية حكمة شرقية تدعو لتحديد “الصورة الكبرى” قبل الشروع في أي عمل. هذه الرؤية انعكست في مشروعه الأدبي “الحاءات الثلاث” التي ترمز إلى الحرية، الحلم، والحب. كما عبر عن هذا المشروع في أعماله البارزة مثل “إرادة التفرد”، و”في انتظار الصباح”، و”موسم الهجرة إلى أي مكان”.
تظل تجربة محمد سعيد الريحاني مثالاً ساطعاً على السعي للتفرد والإبداع من خلال مزج الفكر والخيال والرؤية الإنسانية.