الشيخ أمين الشعراوي: الكفيل هو أهم ضمانات تنفيذ الأحكام العرفية ..واستحدثنا الضمانات الكتابية |حوار|
قاضي الدم بالمجالس العرفية
الشيخ/ أمين الشعراوى ينتمى إلى قبيلة “بلى” فى مصر والتى عهد إليها توارث حل النزاعات بين الأفراد أو القبائل التى تتعلق بالدم، كالنزاعات التى يُنتج عنها جروح أو إصابات أو قتل، رجل يتميز بالحكمة والصبر والذكاء، ذو شخصية قوية ومحبوبة بين جميع القبائل والعائلات بشتى مسمياتها، كل ذلك أهَّله ليكون أشهر قاضٍ للدم أو وفقا لما يطلق عليه بمصطلحات القضاء العرفي “منقع الدم” بين كل القبائل العربية، وهى أعلى درجات القضاة العرفيين لما تمثله من خطورة النزاعات التى يفصل فيها، التقينا به وتحاورنا معه لنتعرف على طبيعة عمله… وإلى نص الحوار
* ما طبيعة تخصصك في القضاء العرفي؟
فى البداية أوضح أن القضاء العرفى عموما ينقسم إلى عدة أقسام وفقا لطبيعة النزاعات وما ينتج عنها من أضرار، أهمها قسم الدم ويطلق على قاضاته “مناقع الدم” يختصون بالقصاص فى الجرائم التى ينتج عنها جروح أو إصابات بكل درجاتها وصولا للقتل، ويوجد ثلاثة منهم ينتمون إلى قبيلتى، بالإضافة إلى قضاة من عشيرة السلالمة من قبيلة الحويطات ويطلق عليهم “السليلمى”، وكل تخصص آخر مسند لأبناء قبيلة ويكون كل القضاة العرفيين معترفا بهم بين جموع القبائل كل وفقا لتخصصه.
*ما هي الخطوات التي يتبعها المتضرر للجوء للقاضي العرفي؟
عندما يحدث النزاع بين قبيلتين أو عائلتين يتوجهان إلى شخص يطلق عليه “مسيل الخير” دوره تقريب وجهات النظر بين الطرفين فى محاولة منه لإنهاء النزاع وديا وفقا لما يرتضيان به، ويبدأ مهمته بزيارة أهل المجنى عليه ويطلب منهم “العمار” وهى تعنى هدنة لوقف النزاع والانتقام مؤقتا؛ لحين البت فى إمكانية حل النزاع وديًّا أو لدى القضاء العرفى، هذه المدة تكون مؤقتة يتفق عليها الطرفان برضائهما، إذا كانت الإصابات جسيمة فالجانى يدفع لمُجارحه – المصاب – مبلغا ماليا يتراوح ما بين خمسة آلاف جنيه إلى عشرة آلاف جنيه مساعدة منه لإشفاء المصاب فى المستشفى، وبعد ذلك يتم قبول منح مدة “العمار” التى لا تتجاوز شهرا يكون خلالها تم شفاء المصابين أو أصبحت حالتهم تسمح للنقاش، فإذا نجح “مسيل الخير” فى إنهاء النزاع وديا برضاء الطرفين انتهى الأمر، أما إذا فشلت محاولاته فيحدد لهما جلسة عرفية لدى قاضى “منقع الدم” الذى يصدر حكمه الملزم للجميع.
* وما هى ضمانات تنفيذ الحكم الذى يُصدر لحسم النزاع؟
تلك الضمانات لها طريقتان الأولى بواسطة “الكفيل” وهو يجب أن يكون شخصا مشهودا له أنه من أصحاب المال أو ذا شخصية قوية مؤثرة فى قبيلته، أما الطريقة الثانية فقد استجدت فى تلك الأيام وفقا لتطور الزمن ومواكبته وهى تقديم ضمانات كتابية مثل الشيك أو إيصال أمانة ويودع عند شخص أمين كضمان للحق، فالقاضى دوره ينتهى بإصدار الحكم والكفيل يلتزم بتنفيذه فى حالة تقديم كفيل أو المودع لديه الضمانات الكتابية يسلمها لمن صدر لصالحه الحكم فإذا صدر للمضرور سلمها إليه وإذا ثبت أن الجانى بريء أعادها إليه.
* هل سبق أن تهرب أحد الصادر ضدهم حكم عرفي من تنفيذه؟
– لا يوجد تهرب بالمرة لأن الشخص الذى يؤخذ كفيل لضمان تسديد قيمة الحكم يجب أن يتوافر فيه حالة من حالتين إما أن يكون ميسورا ماديا ويدفع من ماله قيمة الحكم، وفى تلك الحالة يلتزم الصادر ضده الحكم أن يرد له قيمة ما دفعه مضاعفا، وإما أن يكون شخصا ذا عائلة كبيرة تستطيع أن تأتي بالحق لصاحبه، وهو الأمر الذى يستحيل معه التهرب من تنفيذ الحكم الصادر.
* إذا عجز المحكوم ضده عن دفع قيمة الحكم إذا كان الضمان كتابيا فما الذى يتبع؟
يصبح وجوبيا على عائلته أمام المجتمع القبلى أن تتضامن معه لجمع قيمة الحكم، فالقوي فيها يساند الضعيف، لكن لا إلزام على عائلته فى حالتين فقط وهي إذا كان ابنها متهما فى قضايا العار وقضايا المخدرات لأنهما قضيتان مخلتان بالشرف.
وهنا يظهر دور “وجهاء الخلاص” وهم عدد من وجهاء القبائل يقومون باصطحاب المعتدى لزيارة المضرور لمنحه المبلغ المحكوم به، أما إذا كان المبلغ المحكوم به مرتفعا فيعطوه جزءا من المال يغطى تكاليف علاج الإصابات ويزيد عنها، ثم يطلبون إعفاء المعتدى من باقى المبلغ الذى يفوق طاقته، فإذا وافق انتهى الأمر، أما إذا رفض فيلتزم المعتدى بتوفير باقى المبلغ خلال مدة محددة، ولكن دائما يوافق المجنى عليه على إعفاء المعتدى من باقى المبلغ الذى يفوق طاقته.
* وهل يتم الاعتداد بالأحكام العرفية أمام الجهات الرسمية بالدولة؟
القضاء العرفى هو وسيلة مساعدة ومعاونة للقضاء الرسمى ويخفف عنه ضغوط عرض النزاعات عليه، بفضل الله نحن فى دولتنا جمهورية مصر العربية دائما المحاكم الجنائية والجنح تأخذ بأحكام المجالس العرفية وقبولها ضمنيا بطريقة غير مباشرة، فمثلا فى قضايا القتل حينما يتوجه المجنى عليه أو أهليته ويقررون بأنهم تصالحوا مع الجانى وقبلوا الدية فى تلك الحالة تصدر المحكمة الرسمية أحكاما مخففة، ويقتصر دورها على القصاص للحق العام أو ما يطلق عليه حق المجتمع.
وأوضح أن القضايا التى تصل للقضاء الرسمى لا تتجاوز نسبتها الـ 15% من جملة النزاعات التى تحدث بين أفراد القبائل، فالأغلبية لا يقومون بإبلاغ الشرطة ولا يحررون محاضر إلا بنسب ضئيلة وتلك المحاضر يلتزم من لجأ للقضاء العرفى أن يتنازل عنها قبل البدء فى إجراءات انعقاد المجلس العرفى الخاص بنزاعه.
* هل هى مدونة ثابتة للجرائم وعقوباتها أم لكل جريمة حالة خاصة؟
– لكل مقام مقال، فالذى يعترف بجريمته فحكمه مخفف، أما الجريمة المنكرة وثبت عقب ذلك ارتكابه لها تغلظ العقوبة، وكذلك الجرائم التى يرتكبها الشباب غير الجرائم التى يرتكبها كبار السن العاقلون، فهذا شيء ليس ثابتا فالأحكام متحركة حسب الحالة.
* هل القضاء العرفي بصفة عامة يختلف من مكان لمكان أم هو ثابت؟
القضاء العرفى ثابت والقضية العرفية إذا جاءتنى وحكمت فيها بمبلغ مادى مثلا 200 ألف جنيه من حق أى طرف من الأطراف أن يلجأ لقاضٍ آخر لعرض ذات النزاع عليه وإذا حكم القاضى الآخر بنفس القيمة أصبح الحكم نهائيا لا يجوز عرضه مرة أخرى على قاضٍ ثالث، أما إذا حكم القاضى الثانى بأقل أو أكثر فمن حق أحد الأطراف أن يذهب للقاضى الثالث لينظر في الحكمين ليختار أيهما يتم تنفيذه والحكم الذى يؤيده هو النهائى والثابت ويصبح محل تنفيذ.