لوحة الغوري بسيناء .. سلطان المماليك “قانصوه الغوري” :
أثر تاريخي قديم وإسلامي معروف لدرب الحج الإسلامي على طريق “نِخِل – رأس النقب” بوسط شبه جزيرة سيناء
سيناء – محمود الشوربجي
بعد مرور أكثر من 570 عامًا على إنشاء لوحة قانصوه الغوري في سيناء، لا زالت اللوحة تمثل قيمة تاريخية وإسلامية عريقة. فضلًا عن أنها أثر لا يزال حيًا في قلب شبه جزيرة سيناء. وتعد هذه اللوحة من أهم الآثار الإسلامية في وسط شبه جزيرة سيناء ولعلها من المعالم الشهيرة. وأحد المزارات السياحية للعابرين من بلاد الشمال والغرب إلى الجنوب. وقد أنشأت الهيئة العامة للآثار المصرية حائط حديدي لحمايته من الكتابات.
ومن أهم الآثار الإسلامية التي تركها سلاطين مصر في درب الحجاج المصريين والعرب من بلاد المغرب إلى البلاد الحجازية. “النواطير” أول درب الحج المصري القديم شرق مدينة السويس المعروفة وهي المحطة الأولى في سيناء. وقد صنعوا فيها ثلاثة عُمد من الحجر الصخري عالية تبعد كل واحدة عن الأخرى مسافة 5 كم تقريباً. والغرض هداية قوافل الحج المصري إلى بداية الدرب الصحيح، وعرفت قديماً بـ “عُمدان النواطير”. وليس لها أثراً الآن بعد توقف هذا الدرب في نهاية القرن الثامنة عشر. واستمر الطريق عامراً بمرور حجاج مصر و أفريقيا حتى عام 1885م حين اتخذت موانئ البحر الأحمر طريقاً بحرياً إلى جدة.
أما لوحة سلطان المماليك قانصوه الغوري تقع في طريق المسافر من مدينة نخل شمالاً إلى منطقة “رأس النقب” جنوباً. منقوشة على تلة صخرية طباشيرية تدعى “تلة البغلة” أو “تبة البغلة” ، وعرفت قديماً بـ “عراقيب البغلة”. يبلغ ارتفاعها نحو أربعة أمتار محاطة بحواجز حديدية لحمايتها ، وهي على مشارف منحدر عميق واسع. وعندها تنكشف البلاد والمناطق تجاه الجنوب للعابرين من شمالها لاستكمال طريق قوافلهم إلى مدينة العقبة ومن ثم إلى الأراضي الحجازية .
“نقب دَبّة البغلة”
ويعد اللوحة التأسيسية التي أنشأها سلطان المماليك قانصوه الغوري ، والتي تبعد عن النواطير بنحو 170 كم تقريباً بين ممرات صغيرة بين جبال عالية. ولعلها المرحلة الثانية التي تعد نقطة إتصال بين المحطة الأولى – النواطير- والمحطة الثالثة نقب العقبة أو مدينة العقبة ومنها إلى البلاد الحجازية. قيل كان هناك ثلاث صخرات طباشيرية منقوش عليها كتابات يرجع تاريخها إلى عهد المماليك. وقد عبثت الأيام والرياح والسكان بصخرتان ، ولم يتبقى إلا صخرة واحدة منقوش عليها الآتي :
“بسم الله الرحمن الرحيم.. إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما وينصرك نصراً عزيراً ..
كما نُقش أيضا: رسم بقطع هذا الجبل المسمى “عراقيب البغلة” ومهّد طرق المسلمين الحجاج لبيت الله تعالى … وعمار مكة المكرمة والمدينة الشريفة والمناهل عجرود ونخل وقطع الجبل عقبة ايلا وعمار القلعة والآبار وقلعة الازلم والموشحة ومغارب ونبط الفساقي … وطرق الحاج الشريفة مولانا المقام الشريف والإمام الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين … الملك الأشرف أبو النصر “قانصوه الغوري” نصرهُ الله نصراً عزيزاً … ”
بينما الصخرة الثانية فقد نُقش عليها بأحرف كبيرة : ” لمولانا السلطان الملك الأشرف ابو النصر قانصوه الغوري عز نصرهُ “..
كما عبرت من هذا الممر الضيق في عام 2009 م والظاهر أنها كانت بمثابة بوابة لعبور الحجاج القادمين من المغرب العربي إلى البلاد الحجازية ، والشاهد لهذه التلة من مسافة بعيدة يرى أنها من أصل جبل صخري طباشيري واحد وقد شق إلى اثنان ، ويخترقها طريقاً واحداً وهو الطريق الواصل بين “نخل ورأس النقب” ، ولم يسلم الأثر أيضاً من كتابات العابرين في السنوات الماضية من أسماء وتواريخ وتوقيعات تحمل أسماء أصحابها ، الأمر الذي تسبب في إضاعة جمال ورونق الأثر الإسلامي القديم .
القوافل التجارية
وبحسب المصادر القديمة فإن هذا الدرب لم يقتصر فقط على الحجيج وإنما اشتهر أيضاً بالقوافل التجارية المتبادلة بين مصر وبلاد الشرق في ذلك الوقت ، كان الدرب نقطة اتصال ومركز معلومات للأخبار التي تنقلها القوافل من الشرق إلى الغرب وكذلك العكس .
هذا وفي الوقت الحالي اختلفت دروب العبور من أماكن مختلفة وظل هذا المكان هو نقطة العبور من شمال شبه الجزيرة إلى جنوبها وكذلك من غرب شبه الجزيرة إلى شرقها وجنوبها ، ولا يوجد طريق آخر للعبور سوى ممرات ضيقة بين الجبال العالية .