أم سنان بنت خيثمة: صوت الشجاعة والحكمة..إليك التفاصيل
مجموعة النساء الملهمات في التاريخ دائمًا ما تكون علامة على قوة المجتمع وتأثيره العميق على مسار الأحداث الكبرى. بينما تضمت هذه المجموعة نساءً مثل بكارة الهلالية، وسودة بنت عمارة، وأم الخير بنت الحريش البارقية، والزرقاء بنت عدي، وعكرشة بنت الأطش، وأم سنان بنت خيثمة بن حرشة المذحجية، وغيرهن الكثير، فإن تاريخهن يُحفر بمظاهر شجاعتهن وصمودهن أمام التحديات القاسية.
حكمة أم سنان بنت خيثمة
عندما تغيرت الأوضاع وتبدلت الأحكام، وصار معاوية يستدعي هؤلاء النساء الفصيحات للاستماع إلى حكمتهن وبلاغتهن، كان ردّ فعله تجاههن مُشجّعا. بالرغم من جرأتهن وصراحتهن، لم يكن يخيفهن عدد الأبطال أو قوة الرماح، فقد كانت لديهن قوة وثقة في قدرتهن على التأثير والتغيير.
أم سنان بنت خيثمة كانت من بين هؤلاء النساء البارزات. تجسدت فيها مواصفات الشجاعة والحكمة والصمود، وكانت لها دور مهم في علاقتها مع معاوية بن أبي سفيان. حفظت ذاكرة معاوية قطعة من شعرها، وكانت قادرة على التعبير بجرأة عن مواقفها وآرائها، حتى أمام الأقوياء.
أم سنان في مجلس معاوية: لما قدمت أم سنان دمشق، استأذنت على معاوية فأذن لها، فانتسبت له فعرفها، وأمرها بالجلوس، فلما جلست قال لها: مرحباً يا ابنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تبغضين قومي، وتحصلين على عدوي؟.
قالت: يا أمير المؤمنين، إن لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة، وأعلاماً ظاهرة، وأحلاماً وافرة، لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا يتعقبون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع سنن آبائه لأنت.
مواقفها مع معاوية
قال معاوية: صدقت يا أم سنان، نحن كذلك، ثم سادت فترة صمت، قطعها معاوية بسؤال لأم سنان يذكرها فيها بشعرها وتحريضها عليه، فقال لها كيف قولك: عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد.. والليل يُصدر بالهموم ويورد..
يا آل مذحج لا مقام فشمروا إن العدو لآل أحمد يقصد.. هذا على كالهلال تحفه.. وسط السماء من الكواكب أسعد.. ما زال مد شهد الحروب مظفراً والنصر فوق لوائه ما يفقد.
وكانت أم سنان – رحمها الله – تصغي لما ينشده معاوية من شعرها، ولما انتهى قالت له: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، وإنا لنطمع أن تكون لنا خلفاً بعده، فمثلك جدير بذلك.
وقبل أن يتكلم معاوية بكلمة، قال رجل من جلسائه: كيف يا أمير المؤمنين، وأنا أحفظ من شعرها خلاف ما تقوله لك الآن، فهي القائلة: إما ملكت أبا الحسين فلم تزل.. بالحق تعرف هادياً مهديا.. فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت.. فوق الغصون حمامة قمريا.. فاليوم لا خلف يؤمل بعده.. هيهات نمدح بعده إنسيا.
عندئذ قالت أم سنان وعلائم الحزم والصدق ترتسم على وجهها وهي تعرض بجلسائه: يا أمير المؤمنين، لسان نطق، وقول صدق، ولكن تحقق فيك ما ظننا فحظك الأوفر، والله ما ورئك الشناءة – البعض في قلوب المسلمين إلا هؤلاء – وأشارت إلى بعض جلسائه – فادحض مقالتهم، وأبعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك ازددت من الله عز وجل قرباً، ومن المسلمين حباً وتعجب معاوية مما تقول، فقطع عليها مقالتها قائلاً: وإنك لتقولين ذلك يا أم سينان؟ ! .
أمير المؤمنين
قالت: سبحان الله يا أمير المؤمنين، والله ما مثلك مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا، كان والله على أحب إلينا منك إذ كان حياً، وأنت أحب إلينا من غيرك إذ أنت باقي.
فسألها معاوية: وممن أنا أحب إليكم ما دمت باقياً؟.
فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أحب إلينا من مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص
قال: وبم اسحققت بذلك عليهما؟.
قالت : بحسن حلمك، وكرم عفوك.
فقال معاوية: وإنهما ليطمعان في ذلك.
قالت: نعم، فهما والله لك من الرأي، على ما كنت عليه لعثمان بن عفان.
قال: والله لقد قاربت..
وانتهى الحوار هنا، ولم يعد معاوية يسألها عن أي شيء.