جوهر اللالا.. “جنتلمان المماليك” الذي عشقه الفقراء والعامة
أسماء صبحي
على مقربة من جامعي السلطان حسن والرفاعي يقبع على ربوة مسجد صغير الحجم. يتباهي بجماله ودقة تفاصيله، إنه مسجد ومدرسة الأمير جوهر اللالا.
الأمير جوهر اللالا الحبشي الجنس كان في أول أمره مملوكاً للأمير عمر بن بهادر المشرف بمكة المكرمة. ثم أهداه إلى زوج أخته أحمد الجلباني الحاجب المعروف باللالا أي المربي أو المعلم الخاص لأبناء الأمير برسباي.
بداية شهرة جوهر اللالا
بعد وفاة الجلباني التحق جوهر بخدمة الأمير برسباى قبل توليه الحكم في وظيفة لالا. ليكون مربياً لابنه محمد العزيز يوسف. كما سجن معه في حصن المرقب في عهد المؤيد شيخ المحمودي قبل أن يتسلطن على عرش مصر لمدة سبعة عشر عاماً. قضي فيها على الفتن، وأشاع الأمن، وضم قبرص إلى أملاك مصر.
تمكن جوهر بمهارته وذكائه أن ينال ثقة السلطان برسباى، فقلده وظائف رفيعة منها أمير عشرة (أي أميرًا على عشرة من المماليك يقوم على أمرهم ).ثم أمير مائة، وأمير ألف، وأمير أخور (أي المشرف على الخيول ). ورأس نوبة الأمراء (المشرف على أمور كل أمراء السلطنة) ووظيفة زمام دار، أي الشخص القائم على أمر الحريم السلطاني بجانب وظيفة اللالا.
كان جوهر يتمتع بصفات “الجنتلمان” في زمنه. ويصفه المؤرخ بن تغري بردي بأنه كان: “نظيفاً يبالغ في التأنق والجمال في ملبسه. محبًا للنظام وضبط الأمور بدقة بالغة، نظيف اليد، متحرجًا من المال الحرام. فصار صاحب مرؤة وشهامة، لا يمانع في قضاء حوائج الناس عند السلطان وكبار رجال الدولة. فأصبح محبوبا مقرباً من العامة”.
ولحبه الخير والعلم أنشأ مكتباً لتعليم أيتام المسلمين القراءة والكتابة. واضعًا شروطا للانضمام إلى الكتًاب والمدرسة. ومنها: أن لا يكون الأيتام قد بلغوا الحلم، ومن بلغ منهم يستبدل بيتيم غيره. أما إذا ختم اليتيم القرآن قبل البلوغ وأراد الاشتغال بالعلم أجيب إلى طلبه على أن يصرف له المبلغ المقرر حتى يبلغ الحلم.
مدرسة ومسجد جوهر
أنشأ جوهر الكتًاب ومدرستة على أرض قريبة من القلعة، فاستقر على ربوة عالية من الكتلة المنفصلة عن جبل المقطم. ورغم ضآلة الحجم والمساحة (178 مترا) مقارنة بهرم مصر المملوكية (جامع السلطان حسن )، إلا أن المسجد الصغير يتباهي بجماله ودقة تفاصيله وتبادل الألوان على حجارة الواجهة ما بين اللونين الأحمر والأبيض. وعبقرية المهندس المصري الذي استطاع أن يستفيد من كل سنتيمتر لينشئ مسجداً بديعًا وسبيل ومدرسة في تناسق بديع يتفق مع الدقة التي اشتهرت عن صاحب البناء جوهر اللالا.
وجاءت نهاية جوهر اللالا مؤلمة، إذ تسلطن بعد وفاة برسباي ابنه العزيز يوسف. لكن الأمير جقمق عزله ونكل السلطان الجديد بكل المقربين من السلطان المعزول. وكان منهم جوهر اللالا الذي اتهمه بمساعدة العزيز محمد على الهرب، فسجنه بالقلعة و صادر أمواله وألزمه بدفع مبلغ 30 ألف دينار. ثم أفرج عنه لشدة مرضه.
باع جوهر كل ما يملك حتى يستطيع أن يفتدي نفسه، وعاش بقية أيامه حزينًا يكابد تعسف جقمق. حتى توفي سريعًا في الثالث والعشرين من جمادي الأولي عام 842 هجريا. ودفن بالقلعة بالقبة الملحقة بالمنشأة التي تحمل إسمه مدرسة الأمير جوهر اللالا.