رقصة البرع: إيقاعات يمنية تتحدى الزمن وتجسد فنون الحرب والسلام
تشكّل رقصة “البرع” الشعبية قمة الرقصات اليمنية. كما تعتبر من أبرز مظاهر التراث الفلكلوري الغني في اليمن، حيث يمارسها اليمنيون بشغف منذ زمن بعيد.
تاريخ رقصة البرع
يؤدي الرجال هذه الرقصة بشكل جماعي، متحركين في دائرة بأعداد تتراوح بين ثلاثة إلى أكثر من عشرة. بحركات متناغمة ومتزامنة مع إيقاعات “المبرعي” الذي يضرب على “الطاسة”. وهي آلة موسيقية تتكون من إناء نحاسي مغطى بالجلد يصدر أصواتاً قوية ومتميزة. كما تمر الرقصة بعدة مراحل تبدأ بالدسعة. تليها الوسطى، ثم السارع، وتختتم بالهوشلية.
تعتبر هذه الرقصة من العناصر الأساسية في الاحتفالات اليمنية. خاصةً في الأعراس والمناسبات الدينية والاجتماعية المتنوعة، وقد اكتسبت مكانة بارزة حتى في جبهات القتال. حيث يستمتع بها المقاتلون خلال فترات الراحة عبر الاستماع إلى الراديو أو التسجيلات الصوتية.
“البرع” في اللغة العربية يعني البراعة والإتقان. كما ورد في “لسان العرب” لابن منظور، بينما في اللهجة الصنعانية تعني العدو السريع. وهو ما يعبر عنه الرقصة التي تظهر مهارات استخدام السلاح. حيث يفتخر اليمنيون بحمل الجنبية (الخنجر)، وفي العصر الحديث، يحمل الراقصون الأسلحة النارية أثناء الأداء.
يشير حمدي الرازحي، وكيل وزارة الثقافة في حكومة صنعاء، إلى أن “البرع” يعد من أهم مكونات التراث الشعبي اليمني. وهو مرتبط بتقاليد الحروب القديمة والعرف القبلي. تفرع الطبول لتحرك الأقدام على إيقاعاتها، وتتنوع إيقاعات “البرعة” لتشمل الأفراح والأعياد والتحالفات القبلية والمصالحات.
تختلف الرقصات بحسب المناطق اليمنية. مثل الرقصة الهمدانية، التهامية، اليافعية، والماربية، ولكل منها خصائصها الفريدة. لكن جميعها تتحد في شخص “المبرعي” الذي يقرع “الطاسة” بمهارة.
يضيف الرازحي أن لكل مناسبة إيقاعها الخاص. فإيقاعات الأفراح تشبه الطقوس لطرد الأرواح الشريرة وإدخال الفرح على القلوب. بينما تكون إيقاعات الحروب سريعة وتحمل معاني الحماس والشجاعة.
“الطبالون” أو “المبرعيين” ينتقلون من مكان لآخر للعمل في الأعراس والمناسبات المختلفة. وتعتبر مهنة “قرع الطبل” مقصورة على الطبقات الأقل حظاً، والمعروفين بـ “المزاينة”. الذين لا يسمح لهم بالزواج من القبائل أو الأسر الهاشمية، رغم أن المجتمع يستمتع بالرقص على إيقاعاتهم.
حميد علي، أحد أبرز الطبالين، يعبر عن معاناته من السخرية أثناء أداء عمله الذي يحبه، مؤكداً أنه جزء من التراث اليمني الغني الذي يجب تقديره واحترامه.