الغساسنة: عرب بنوا حضارة مسيحية في بلاد الشام واحتفظوا بالهوية العربية
الغساسنة هم عرب من أصول يمنية هاجروا من بلادهم بعد انهيار سد مأرب في القرن الثالث الميلادي نحو بلاد الشام. كانوا من أول العرب الذين اعتنقوا المسيحية. والغساسنة عبارة عن عشائر مختلفة من الأزد وغيرهم نزلوا على ماء يسمى غسان فانتسبوا إليه. ومن أشهر شعرائهم امرؤ القيس وجذم بن سنان الغساني وعبد المسيح بن عمرو وعدي بن الرعلاء الغساني.
من هم الغساسنة
امتدت سلطة الغساسنة على بلاد الشام فبنوا أبنية رائعة، وكانوا معروفين بمهاراتهم في البناء، على امتداد السهول والبوادي من الفرات إلى خليج العقبة. وشهدت هذه المنطقة تجديدات كبيرة للمباني والمنشآت على يد الغساسنة بدعم من الخلفاء الأمويين. وأقاموا أيضًا أديرة كثيرة. ومن تلك المباني التي ظلت إلى عصرنا هذا: برج الدير في قصر الحير الغربي بين دمشق وتدمر، والإيوان في الرصافة. وكانت هذه الأخيرة مدينة شفيع الغساسنة في الحرب القديس سرجيوس.
كان الغساسنة من المعتقدين بالطبيعة الواحدة للمسيح. وأحيا أبرز ملوكهم الحارث بن جبلة (529-569م) الكنيسة المونوفيزية وأنيط بسيامة يعقوب البرادعي الذي انتسبت إليه الكنيسة المونوفيزية (اليعاقبة). واستخدم الغساسنة كتاب قراءات من الكتاب المقدس باللغة العربية. وهذا يدل على ارتباطهم بالهوية العربية. وعثر على نقوش عربية في أديرة وكنائس تابعة لهم منها النقش الطويل في دير هند بالحيرة بالإضافة إلى نقش حرّان، وهو النقش العربي المسيحي الوحيد الذي بقي من ديار غسان.
ظلت الجابية التي تقع في هضبة الجولان السورية عاصمة للغساسنة ومركزًا سياسيًا وعسكريًا هامًا طيلة العهد الأموي. وكان الغساسنة مثل التنوخيين والسليحيين موالين أصلًا للبيزنطيين فاستفادوا منهم مهارات إدارية وعسكرية ووضعوها في خدمة الأمويين الذين اعتمدوا على هذه القبائل وخاصة غسان وجيزان وكلب في أعمال إدارية وعسكرية. وكانت غسان قد حافظت على حدود سوريا لصالح الإمبراطورية البيزنطية.
وفي كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الجزء الأول ص635) عن الغساسنة:
حكم عرب بلاد الشام في دولة البيزنطيين، عرب سموا ب “آل غسان”، وب “آل جفنة” وب “الغساسنة”. واستمر ملكهم إلى الإسلام. فلما فتح المسلمون بلاد الشام، انتهت حكومتهم، وذهب سلطانهم كما ذهب ملك “آل لخم” منافسوهم في العراق.
وقد نسبت كلمة “غسان” في رأي الأخباريين إلى اسم ماء يسمى “غسان”، ببلاد “عك” بزبيد وربيع، نزل عليه ال غسان، وأصلهم من الأزد، بعد خروجهم من اليمن قبل أو بعد حادث سيل العرم، فلما أقاموا عليه وشربوا منه ،اختاروا اسمهم منه ،فسموا “غسان”، وعُرف نسلهم بالغساسنة وب “آل غسان”. ولم يحدد أهل الأخبار زمان حدوث سيل العرم، وانهيار السد. لذلك لا نستطيع ان نستخلص شيئا من رواياتهم عن هذا الحادث في تحديد وقت وصول الغساسنة إلى بلاد الشام. وحادث انفجار السد لم يكن حادثا واحدا، حتى نعتبره بداية لتاريخ هجرة الأزد وغيرهم من قبائل اليمن إلى الشمال. فقد انفجر السد مرات عديدة ورم مرات عديدة. والذي يفهم من أقوال الإخياريين أن هذا الانفجار كان قد وقع قبل الإسلام بفترة، وقد ظلت ذكراه محفورة في الذاكرة إلى أيام الإسلام.