أفراح لا أحزان.. طقوس الجنائز عند شعوب المغرب تشبه حفلات الزفاف
أسماء صبحي
من المعروف أن الموت من الأمور التي ترافقها مشاعر الحزن والألم التي تنبعث في النفس وتهزها من الداخل بعد فقدان عزيز أو قريب. إلا أن طقوس الجنائز في بعض مناطق المغرب تميل إلى أن تكون “أفراحًا” لا أحزانًا. وذلك بسبب الكثير من مظاهر الأفراح التي تظهر خلالها أكثر من الأتراح.
وتتحول الكثير من مراسم العزاء والمآتم إلى أشبه ما يكون حفل زفاف. خاصة فيما يتعلق بتوفير وجبات الطعام بمختلف الأصناف للمعزين. وذلك عبر تنظيم حفلات للعزاء من قبل شركات مختصة، أو عندما يتعلق بحضور النساء بكامل زينتهن لمواساة عائلة المتوفى.
طقوس الجنائز في المغرب
تبدأ طقوس الجنائز في بعض مناطق المغرب بالزينة والافراح من المقبرة يوم وفاة الفقيد. حيث تحمل النساء صحونا تحتوي على مادة الحناء ومواد الزينة الأخرى. وتقوم نساء جيران الميت وأقاربه اللائي ينوين إقامة الحداد على الفقيد. ويسمونه “”الوْقار” بالامتناع عن التكحل والتزين، بينما النساء الأخريات ـ اللواتي لا ينوين “الوقار” ـ فإن لهن الحرية في الزينة بالمقبرة.
كما يحرص أهل المتوفي على أن تتكون وجبة الغداء التي تُقدَّم للمعزين من مرق بلحم الغنم مع الفجل المملح والزيتون الأسود. بينما يأتي الجيران بطعام الكسكس لتتلقفه أيادي المعزين في أجواء تكاد تشبه حفلات الأعراس. ولكن الفرق أنه في مناسبات العزاء لا يوجد غناء ولا رقص.
ومن عادات نساء العائلات الرباطية والسلاوية والفاسية الأصلية الحرص على حضور الليلة الأولى أو الثالثة بعد وفاة الفقيد بزينتهن الكاملة. وأزيائهن التي قد يحضرن بها أيضا إلى مناسبات الزفاف. إلا أنهن يفضلن ارتداء ما هو أبيض، خاصة كل ما هو “تكشيطات” مطرزة بـ”الراندا”. ولولا أجواء الحزن أو البكاء الذي قد تسمع من داخل بيت المتوفى لظن المارّون و العابرون أن المناسبة حفل عرس أو عقيقة وليس مناسبة حزينة تتعلق بوفاة.
الميل نحو الفرح
وفيما يتعلق بالسبب وراء تحول قطاعات كبيرة من المغاربة إلى كل ماهو استعراض للأكل والأزياء. حتى خلال المناسبات التي من المفروض فيها أن تكون بسيطة وعفوية طالما تتعلق بمفارقة الدنيا وزخرفها. فإن الأمر يتعلق بتغيرات عميقة طرأت على منظومة القيم والسلوكيات للكثير من المغاربة خلال السنوات القليلة الأخيرة.
ولم تعد قيم التآزر والتفاني والانصهار في بوتقة أحزان الآخرين وخدمتهم بالكيفية التي كانت عليها من قبل. حيث حل محل ذلك النزوع نحو “الفردانية” و”النقدانية”، أي الميل نحو الأنانية الفردية وأيضا الانغماس شبه الكلي في كل ما هو مادي بحت.