مظاهر الاحتفال بـ المولد النبوي في مصر على مر العصور
أسماء صبحي
تظل ذكرى المولد النبوي (صلى الله عليه وسلم) درة الاحتفالات الدينية على الإطلاق. وقد حاول الحكام على تعاقبهم واختلاف أجناسهم استغلال تلك الخصوصية عند المصريين للتقرب إليهم واستمالتهم عبر العصور التاريخية المختلفة.
الاحتفال بـ المولد النبوي في العصر الفاطمي
يرجع احتفال المصريين بالمولد النبوي إلى الدولة الفاطمية عندما اراد المعز لدين الله الفاطمي أن يستميل الشعب المصري. فأمر بإقامة أول احتفال للمولد في تاريخ مصر المحروسة ليتحول الاحتفال بالمولد النبوي إلى عيداً رسمياً وشعبيًا.
وأنشأ الفاطميون داراً تسمى دار الفطرة لصناعة الكعك والغريبة والبسكويت وكعب الغزال والحلوى في المناسبات الدينية المختلفة منها عيد الفطر المبارك والمولد النبوي الشريف.
أما عروس المولد ومعها الحصان فقد ظهرا فى عصر الحاكم بأمر الله الذي عرف بقراراته الغريبة وتصرفاته العجيبة. فقد خرج في أحد المواكب ومعه زوجته وكانت ترتدي ثوباً أبيض وتاجاً من الياسمين فصنع اسطوات الحلوي عروسًا تحاكي زوجة الخليفة وفارساً على ظهر جواده كرمز لشجاعته وفروسيته.
ويشير المؤرخون إلى أن الحاكم بأمر الله قرر منع إقامة الزينات واحتفالات الزواج إلا في المولد النبوي. فحرص كثير من الشباب علي إتمام زواجهم في أيام المولد حتي يتمكنوا من تعليق الزينات وإقامة الاحتفالات. ولذلك تفتق ذهن الصانع المصري أن يشكل الحلوى علي هيئة عروس, مصنوعة من الحلوي لأنها كانت تعد بمثابة إعلان عن قرب موسم الزواج.
في عصر الدوله الأيوبية
ألغيت جميع مظاهر الاحتفالات الدينية لرغبه السلطان صلاح الدين الأيوبي في اقتلاع المذهب الشيعى ومحو جميع المظاهر الاجتماعية التي ميزت العصر الفاطمي. لكن المصريين عادوا للاحتفال بالمولد النبوي في عصر المماليك.
عصر المماليك
يذكر ابن إياس احتفال السلطان المملوكي “قنصوه الغوري” بالمولد اتسم بالبذخ والترف. حيث حرص على مشاركة الرعية الاحتفال بهذه المناسبة، ففي الليلة الكبيرة من الاحتفال بالمولد يقيم السلطان بالحوش السلطاني خيمة في القلعة زرقاء اللون على شكل قاعدة في وسطها قبة مقامة على أربعة أعمدة بتكلفة تقدر بحوالي ستة وثلاثين ألف دينار.
وكان يوضع عند أبوابها أحواض من الجلد تملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون وتعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من النحاس الأصفر. والمزينة بالنقوش الجميلة وتربط هذه الأكواب بسلاسل من النحاس ويصف حولها طائفة من غلمان الشربخانة لمناولة الوافدين من الناس.
وفى الليلة الختامية يتبارى المقرئون والوعاظ لإظهار براعتهم في التلاوة والإنشاد لينعم عليهم السلطان بصرر مليئة بالدراهم الفضية. وبعد صلاة المغرب تمد أسمطة الحلوى السكرية المختلفة الألوان، وفي صباح اليوم التالي يوزع السلطان كميات من القمح على الزوايا.
المولد النبوي في الدولة العثمانية
كان السلطان يرتدي ملابس مخصصة للمناسبات الدينية تعرف بملابس التشريفة ممتطياً جوادًا بسرج من الذهب الخالص. ويسير بين صفين من الجنود وخلفهم كبراء وعظماء الدولة بملابسهم الرسمية التشريفية وعلى صدورهم الأوسمة، وخلفهم الناس. ثم يدخلون المسجد ويبدأون بالاحتفال بقراءة القرآن ثم بقراءة قصة النبي محمد “صلى الله عليه وسلم”. وينظم بعض المشايخ حلقات للذكر فينشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي إلى فجر اليوم التالي.
الحمله الفرنسية والمولد النبوي
يذكر المؤرخ “عبدالرحمن الجبرتي” الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر، أن “نابليون بونابرت” اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف سنة (1213ه 1798م) من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها 300 ريال فرنسى إلى منزل الشيخ البكرى (نقيب الأشراف فى مصر) في حي الأزبكية وأرسلت الطبول الضخمة والقناديل. وفي الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمولد، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقادتها.
مظاهر الاحتفال في الأسره العلوية
حيث أقيمت الاحتفال فى سرادق “الساحة الرحبة” ببركة الأزبكية حيث تنصب السرادقات للدراويش. وحلقات الذكر للمنشدين الهاتفين طوال الليل “مدد” ويحتمع الناس لمشاهدة المهرجين.
وفي ختام الليلة تزدان خيمة (الحضرة الفخيمة الخديوية ) بتشريف الخديوي والنظار والعلماء والأعيان والذوات وتوزع الحلوى وشراب الليمون على الحاضرين.
وفي عهد الملك فؤاد انتقلت ساحة الاحتفال إلى العباسية لتتولى وزارة الأوقاف والهيئات الحكومية إقامة السرادقات طوال فترة الاحتفالات وحتى وقتنا الراهن.