تاريخ ومزارات

معركة أرسوف: درس في فن الحرب والسلام بين المسلمين والصليبيين

دعاء رحيل

معركة أرسوف هي واحدة من أشهر المعارك التي دارت بين الصليبيين والمسلمين في القرن الثاني عشر، والتي انتهت بانتصار غير حاسم للملك ريتشارد الأول على صلاح الدين الأيوبي. في هذا المقال، سنستعرض أسباب ومجريات ونتائج هذه المعركة التاريخية.

أسباب معركة أرسوف

وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد فوزي أستاذ التاريخ بجامعة مطروح، بعد أن استولى صلاح الدين على معظم المدن الساحلية في بلاد الشام وفلسطين، وأسر ملك أورشليم غي دو لوزينيان في معركة حطين عام 1187، بدأت الحملة الصليبية الثالثة لاستعادة الأرض المقدسة من يد المسلمين. قاد هذه الحملة ثلاثة من أشهر حكام أوروبا: ريتشارد الأول ملك إنجلترا، فيليب الثاني ملك فرنسا، وفريدريك الأول إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وصل ريتشارد وفيليب إلى عكا في يونيو 1191، وشاركا في حصارها حتى سقطت في يوليو من نفس العام. أما فريدريك فقد توفي في طريقه إلى فلسطين بعد أن غرق في نهر صالح.

كما أوضح أستاذ التاريخ بجامعة مطروح، بعد سقوط عكا، قام ريتشارد بإعدام 2700 من أسرى صلاح الدين كان قد اتفق على تحريرهم مقابل دفع فدية. كما قام بإهانة صلاح الدين بإرسال رأس أخوه تقى الدين إلى خيمته. هذه التصرفات أثارت غضب صلاح الدين وزادت من عزمه على مواجهة ريتشارد. بعد ذلك، انسحب فيليب من الحملة وعاد إلى فرنسا، تاركا ريتشارد وجها لوجه مع صلاح الدين. قرر ريتشارد التوجه إلى جنوب فلسطين لاستعادة مدينة عسقلان، التي كانت مقرا لمملكة أورشليم. اتبعه صلاح الدين بجيشه، محاولا استغلال التضاريس الصحراوية لإجهاد جيش ريتشارد وإغرائه إلى المعركة.

مجريات المعركة

في 7 سبتمبر 1191، اختار صلاح الدين موقعا للمعركة قرب مدينة أرسوف، التي كان يحتلها الصليبيون. اصطف جيش صلاح الدين على شكل هلال، مع مؤخرة تغطية معسكره. كان جزء من جنوده يستخدمون دروعًا خشبية لحماية أنفسهم من السهام. اصطف جيش ريتشارد على شكل مستطيل، مع الفرسان في الجنبين والمشاة في المنتصف. كان يرافقه سفنه في البحر، التي كانت تزوده بالماء والطعام. بدأت المعركة بهجوم من فرسان صلاح الدين على جيش ريتشارد، مستخدمين تكتيك الكر والفر. كانوا يقتربون من الصليبيين ويطلقون عليهم السهام ثم يتراجعون بسرعة، محاولين إثارة غضبهم وإخراجهم من ترتيبهم. أمر ريتشارد جنوده بالصبر وعدم الاستجابة للهجوم، وأعطى المشاة تعليمات بالدفاع عن أنفسهم بالحراب والرماح. استمر هذا الوضع لساعات، حتى بدأت خيول صلاح الدين تتعب من الجري والقفز.

في هذه الأثناء، كان فرسان المعبد في مؤخرة جيش ريتشارد يتحملون أكبر قسط من الهجوم. كان قائدهم روبرت دو سابلي يطلب من ريتشارد إذنًا للهجوم على المسلمين، لكن ريتشارد كان يرفض، معتقدًا أن الوقت لم يحن بعد. ولكن في لحظة ما، فقد فرسان المعبد صبرهم وقاموا بالهجوم دون إذن من ريتشارد. تبعهم فرسان الإسبتارية والإنجليز والفلامنكيون، مخلفين فجوة في صفوف الصليبيين. اندفع ريتشارد خلفهم بحصانه، محاولًا إغلاق الثغرة وإعادة الترتيب. اصطدم فرسان الصليب بفرسان صلاح الدين بقوة، مستخدمين سلاحهم المفضل: المطور. كان هذا سلاحًا طويلًا وثقيلًا، يستخدم لضرب الخصم من فوق الحصان. كان فعالًا جدًا في كسر دروع المسلمين وإسقاط خيولهم. تراجع فرسان صلاح الدين أمام هذا الهجوم المفاجئ، خاسرون كثيرًا من رجالهم.

ولكن صلاح الدين لم يستسلم، بل تماسك وأعاد تجميع جيشه. أمر بحماية معسكره من أي اقتحام، وقام بشن هجوم جديد على جبهة الصليبيين، مستخدمًا المشاة والأقواس. حاول أيضًا استغلال الفجوة التي تركها فرسان المعبد في مؤخرة جيش ريتشارد، إحاطة فرسانه بالصليبيين من الخلف، محاولًا قطع خطوط إمدادهم وتحريكهم بعيدًا عن البحر. ولكن ريتشارد كان يتابع الوضع بحذر، وأرسل بعض فرسانه لمواجهة هذا الخطر. كانت المعركة شديدة ومتقلبة، ولم يستطع أي من الطرفين تحقيق نصر حاسم. استمرت المعركة حتى غروب الشمس، حين انسحب صلاح الدين إلى معسكره، مخلفًا وراءه نحو 7000 قتيل من جنوده. أما ريتشارد فقد خسر نحو 700 من رجاله، بينهم روبرت دو سابلي قائد فرسان المعبد.

نتائج المعركة

بالرغم من أن ريتشارد حقق انتصارًا عسكريًا في معركة أرسوف، إلا أنه لم يستطع استغلاله للاستيلاء على عسقلان أو أورشليم. فقد تمكن صلاح الدين من إعادة تجميع جيشه والدفاع عن مواقعه بشجاعة. كما تفاقمت المشاكل بين ريتشارد وحلفائه من الصليبيين، الذين كانوا يختلفون معه في الأهداف والإستراتيجية. بعد عدة محاولات فاشلة لاقتحام أورشليم، قام ريتشارد بإبرام اتفاقية سلام مع صلاح الدين في سبتمبر 1192، تضمنت السماح للصليبيين بالبقاء في بعض المدن الساحلية، والسماح للحجاج المسلمين بزيارة أورشليم. ثم عاد ريتشارد إلى إنجلترا، وانتهت بذلك الحملة الصليبية الثالثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى