تاريخ ومزارات

مملكة قيدرا.. تاريخ وحضارة عربية قديمة

دعاء رحيل

مملكة قيدرا هي مملكة عربية قديمة ذات أهمية تاريخية وثقافية كبيرة، حكمت مناطق واسعة من الصحراء العربية الشمالية الغربية والشام والعراق ومصر في الألفية الأولى قبل الميلاد. كانت عاصمتها دومة الجندل، وكان لها علاقات تجارية وسياسية مع الإمبراطوريات القديمة مثل آشور وبابل وفارس واليونان.

النطاق الجغرافي والنفوذ

تعد مملكة قيدرا أكبر وأهم مملكة عربية في الألفية الأولى قبل الميلاد، كان القيداريون على رأس «كونفدرالية قبلية عربية» أو «تحالف قبائل عربية» من مختلف الانقسامات الفرعية. وفقا لفيليب كينغ، عاش القيداريون في الصحراء العربية الشمالية الغربية، وكانوا «ذوي قوة مؤثرة في الفترة مابين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد.» جيفري بروميلي، يكتب اسمهم «كدار» ويذكر أنهم عاشوا في منطقة جنوب شرق دمشق وشرق الأردن.

وفي هذا الصدد أوضح الباحث رضا عطية الشافعى الباحث في الآثار المصرية القديمة، في القرن الثامن قبل الميلاد تشير النقوش الآشورية إلى تواجد القيداريين في المنطقة إلى الشرق من الحدود الغربية لبابل. كما تشير إلى تواجد القيداريين في مناطق شرق الأردن وجنوب سوريا في القرن السابع قبل الميلاد، وبحلول القرن الخامس قبل الميلاد، انتشروا في نواحي سيناء حتى دلتا النيل. شملت السيطرة القيدارية على شمال غرب الجزيرة التحالفات بين ملوك قيدار وملوك دديان.

المصادر التاريخية

كما قال الشافعي، أول ذكر لمملكة قيدار يعود إلى عهد تغلث فلاسر الثالث، ملك آشور (745-727 ق.م.)، في شاهد وضع لتسجيل أسماء الملوك الذين دفعوا الإتاوة للدولة الآشورية. من بين هؤلاء الملوك، كانت هناك ملكات قيدار، مثل زبيبة وشمسي ويثيعة وتلهونة، واللاتي كن يلقبن بـ”ملكات العرب”. كما ذكرت مملكة قيدار في النقوش البابلية والفارسية والأرامية واليونانية والرومانية، بالإضافة إلى الكتابات اليهودية والمسيحية. على سبيل المثال، في سفر التكوين، يذكر أن قيدار هو ابن إسماعيل بن إبراهيم.

الاقتصاد والتجارة

كانت مملكة قيدار تعتمد على التجارة كمصدر رئيسي للثروة والنفوذ. كان لها دور مهم في تأمين طرق التجارة بين جنوب بلاد الشام وشمال بلاد ما بين النهرين، وبين جنوب شبه الجزيرة العربية وشمال وغرب غزة ومصر. كانت تجارة البخور والتوابل والذهب والفضة والحديد من أهم السلع التي تداولتها مملكة قيدار. كما كانت تستفيد من الموارد الطبيعية في مناطق سيطرتها، مثل الماء والزراعة والحجارة. كانت الواحات المدنية، مثل دومة الجندل وتيماء، تلعب دوراً مهماً كمواقع للاستيطان والتجارة وأماكن للري.

الثقافة والمجتمع

كانت مملكة قيدار تضم شعوباً عربية من مختلف القبائل والفروع. كان بعضهم يعيش حياة رحل في الصحراء، وبعضهم يستقر في المدن أو القرى. كان لديهم نظام اجتماعي قائم على الأسرة والقبيلة والولاء للملك أو الملكة. كان لديهم أيضاً نظام قانوني قائم على التقاليد والعادات.

كانت مملكة قيدار تدين بديانة متعددة الآلهة، تشبه ديانات شعوب الشرق الأوسط القديم. كان لديهم آلهة رئيسية، مثل دوشرى (آلهة الشفاء)، عثتر (آلهة الحب)، ردى (آلهة الحظ)، نخى (آلهة الماء)، قوس (آلهة القوس)، علا (آلهة الأرض)، سير (آلهة الموت)، إضافة إلى آلهة أخرى أقل شأناً. كان لديهم أيضاً احترام لأسلافهم وأرواحهم.

اللغة والكتابة

كانت مملكة قيدرا تستخدم اللغة العربية كلغتها الرسمية والشعبية. كانت اللغة العربية تنتمي إلى الفرع السامي من عائلة اللغات الأفروآسيوية، وتشترك في بعض الخصائص مع اللغات السامية الأخرى، مثل العبرية والآرامية والأكدية. كانت اللغة العربية تتميز بوجود 28 حرفاً منقوطاً وثلاثة حروف طويلة، وبنظام صرفي معقد يعتمد على جذور ثلاثية أو رباعية، وبنظام نحوي يحكم تركيب الجملة والإعراب.

كانت مملكة قيدرا تستخدم أيضاً نظام كتابة خاص بها، يسمى بالخط القيداري أو المسندي. هذا الخط ينحدر من الخط الفينيقي، وهو خط أبجدي يكتب من اليمين إلى اليسار. يتألف هذا الخط من 22 حرفاً متصلاً، بالإضافة إلى بعض الرموز للأرقام والفواصل. كان هذا الخط يستخدم لكتابة المنشورات والنقوش والوثائق على مواد مختلفة، مثل الحجارة والبرونز والجلود والأقمشة.

نظام الحكم والسياسة

كانت مملكة قيدرا تحكمها أسرة ملكية تنتقل من جيل إلى جيل. كان لهذه الأسرة سلطة على كافة شؤون المملكة، من الشؤون الدينية والعسكرية والقضائية والإدارية. كان لهذه الأسرة أيضاً حق التحالف والحرب مع الدول المجاورة. كان بعض الملوك والملكات يحظون بشهرة واحترام كبيرين، مثل زبيبة وجشم وقينو.

كانت مملكة قيدرا تتألف من عدة قبائل عربية تابعة لها، كان لها درجات مختلفة من الولاء والانتماء. كان بعض هذه القبائل يحصل على حقوق خاصة أو امتيازات مقابل دفع جزية أو تقديم خدمات عسكرية أو تجارية. كان بعض هذه القبائل يثور على سلطة المملكة أحياناً، فتستخدم المملكة قوتها لإخضاعهم أو التفاوض معهم.

الإنجازات والتراث

تركت مملكة قيدرا إرثاً ثقافياً وحضارياً غنياً، يشهد على تقدمها وتميزها في مختلف المجالات. من بين هذه الإنجازات:

بناء معابد وقصور وحصون وسدود وآبار وطرق ونقوش في مواقع مختلفة من المملكة، تظهر مهارة القيداريين في الهندسة والفن والعمارة.
إنشاء نظام قانوني وإداري وضع أسس العدالة والأمن والنظام في المملكة، وحفظ حقوق المواطنين والضيوف والأجانب.
تطوير اللغة والكتابة العربية، وإثراء المكتبة العربية بالأدب والتاريخ والجغرافية والدين والفلسفة.
ترويج التجارة والصناعة والزراعة، وإقامة علاقات تبادلية مع الدول المجاورة، ونشر الثقافة العربية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى