سماهر الخطيب تكتب:القرار 2254 هل ما زال صالحاً للحل السوري!؟
سماهر الخطيب تكتب:القرار 2254 هل ما زال صالحاً للحل السوري!؟
طغت متغيرات شتّى في الملف السوري في الآونة الأخيرة، كُللت تلك المتغيرات بحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة 32 لجامعة الدول العربية في جدة وسط ترحيب عربي بتلك العودة وبذاك الحضور.. بالتزامن مع انعقاد القمة جولات مكوكية للدبلوماسية السورية في محيطها العربي ويرافقها جولات مكوكية عربية في محيطها السوري..
ووسط تلك المتغيرات الجيوسياسية، يبدو بأنّه بات ضرورياً اليوم الدعوة لعقد جلسة في مجلس الأمن لمناقشة بنود القرار 2254 بشأن سورية، والذي لا تنكفئ معظم الدول إلى العودة إليه كآلية للحل السياسي السوري، فهذا القرار قد صدر في العام 2015 وسط ظروف دولية وإقليمية مغايرة عن الظروف الحالية (معظم الدول التي كانت تدعم الفصائل المسلحة وكذا الإرهابية اليوم تبرأت من تلك الفصائل ومن ذاك الدعم) هذا من جهة..
ومن جهة ثانية، فإنّ الظروف تغيرت أيضاً فيما يتعلق بالداخل السوري فواقع المعارك والميدان حين استصدار القرار كان شيء واليوم هو شيء آخر كلياً (الفصائل المسلحة والإرهابية المدعومة من بعض الدول التي كانت مسيطرة على أراضٍ سورية سابقاً، اليوم تحررت تلك الأراضي من سيطرتها وعادت إلى سيطرة الدولة وتحت سيادتها كما في حلب والغوطة وريف اللاذقية وحماة وحمص وحتى درعا وغيرها)..
وبالتالي وحيث أنّه منذ العام 2015 وحتى اليوم في العام 2023 ثماني سنوات، تغيّرت فيها مجريات الأحداث والمعارك وبسط السيطرة السورية على معظم أراضيها، فبالتالي بات من الضرورة مناقشة بنود ذاك القرار والتأكيد فيه على بنود أساسية تدور حول ما يلي:
أولاً، وضع آلية ملزمة لانسحاب القوات الغير شرعية المتواجدة في الأرض السورية وتحديداً في شمال الفرات وشمال شرق الفرات وهي القوات الأميركية والتركية..
ثانياً، وضع آلية ملزمة لتسليم الفصائل المسلحة أسلحتهم للجيش السوري والانضواء في صفوف الجيش السوري وتسليم النقاط التي تقع تحت سيطرت تلك المجموعات للدولة السورية تسليماً سلمياً ووقف الدعم الدولي لتلك الفصائل وهنا نقصد (قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً)..
ثالثاً، فيما يتعلق بمدينة إدلب ومحيطها فينطبق الأمر ذاته حول الفصائل المسلحة بتسليم أسلحتها للجيش السوري ووقف الدعم الدولي لتلك الفصائل المدعومة تركياً.. وهو ما جاء حرفياً في البند الثامن من القرار 2254 ونص البند يقول “يكرر دعوته الواردة في القرار 2249 (2015) والموجهة إلى الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف أيضا باسم داعش) وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقا الفريق الدولي لدعم سورية ويحدده مجلس الأمن، وفقا لبيان الفريق الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سورية، ويلاحظ أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي لدعم سورية الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015؛” وهو إلزام لتركيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول التي دعمت الفصائل المسلحة والإرهابية بوقف فوري لذاك الدعم..
رابعاً، فيما يتعلق بالدعوات الانفصالية لبعض الجماعات فقد أكدت ديباجة القرار 2254 على وحدة سورية وسلامة أراضيها “وإذ يؤكد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه”، وهو ما يؤكد النهي على أي دعوة انفصالية وبالتالي المطلوب إدانة لأي دولة تدعم تلك الدعوات، إضافة إلى التأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وهو ما ورد في مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه وما لفت إليه القرار الآنف الذكر..
خامساً، إلزام الدول الفارضة للعقوبات على الدولة السورية برفع تلك العقوبات وتحديدا العقوبات الغربية والأميركية ويكون قراراً ملزماً برفع تلك العقوبات تمهيداً لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، حيث أن تلك العقوبات تقف عائقاً أمام إعادة الإعمار وهذا ما قد ذكر في القرار 2254 وتحديداً في البند 14 الذي قال “بتهيئة الظروف المواتية للعودة الطوعية والآمنة للاجئين”، وهذه الظروف لن تهيئ إن لم يتم استصدار قرار ملزم برفع كلي للعقوبات التي تعيق عملية العودة..
أما فيما يتعلق بالحوار السوري فهو قائم أصلاً في سوتشي وأستانة كمسارين موازيين لمسار كل من جنيف وفيينا وبالتالي ضم نتائج حوارات سوتشي وأستانة إلى القرار 2254 للتوصل نحو حل سياسي يشترك فيه السوريين بكافة أطيافهم الوطنية.. ناهيك عن الدور الروسي البارز في هذه المسارات الأربع والضغط الذي قامت به الدبلوماسية الروسية لعدم تكرار السيناريو الليبي في سورية.. وبالنسبة لعملية صياغة دستور جديد وفق البند الرابع من القرار نفسه فإنّه كان واضحاً تعثّر تلك العملية (نتيجة التدخلات الخارجية والتي ترجمت بتشرذم فصائل المعارضة وعدم قدرتهم على الوصول إلى نقاط متفق عليها بسبب الإملاءات الخارجية وتشتت منصاتهم ومؤتمريهم ومع عدول تلك الأطراف الخارجية بمعظمها عن سياساتها السابقة وبالتالي التوقف عن دعم تلك الفصائل)، فإنه يتوجب اليوم تسريع تلك العملية، بما يتوافق مع المصلحة السورية التي هي حكماً تعلو فوق كل مصلحة..
لا شك أنّ هذه الملاحظات باتت ذات ضرورة لمناقشتها اليوم وسط التغيرات الحاصلة من جهة، ووسط الاعترافات التي قدمت من الدول الداعمة للإرهاب آنفاً وجاءت على لسان كثير من المسؤولين الحكوميين في تلك الدول ويمكن لأي منا العودة إليها وقراءتها وسماعها ومشاهدتها أيضاً.. ولن نبالغ إن قلنا بإدانة تلك الدول من تصريحاتهم تلك، التي حكماً تدينهم وتؤكد أن ما حصل في سورية من أحداث دموية هي مفتعلة بفعل خارجي وليس كما أرادوا تسميتها “حرب أهلية” بل كانت وفق تصريحاتهم “حرب إرهابية” بدعم بعض الدول للفصائل الإرهابية، بشتى وسائل الدعم المالي واللوجستي والعسكري والأمني والاستخباراتي لإسقاط الدولة السورية وإفراغ مؤسساتها من شرعيتها ومشروعيتها..
وما جاء مؤخراً من تصريحات للسفارة الأميركية في بغداد، بأن واشنطن لن تعود إلى لعبة تغيير الأنظمة وخاصة في العراق، يكشف بوضوح سياستها في المنطقة والتي تعتمد على استبدال الأنظمة الوطنية بأنظمة عميلة لها وهذا يؤكد أنها كانت تقوم بذلك سعياً منها لإيجاد أنظمة تأتمر بأمرتها التي سقطت على الأرض السورية.. ولا شك أن الفرصة تاريخية اليوم لاستحصال تنازلات من الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت تضعف اقتصادياً وتكنولوجياً وأيديولوجياً وهمها الأول ترميم بيتها الداخلي وحماية اقتصادها وأمنها التكنولوجي والأيدولوجي أمام تصاعد نفوذ وقوة الصين وروسيا وحلفائهم..
وللحديث تتمة..