د. محمد السعيد إدريس يكتب:التحدي الأهم أمام أردوغان
د. محمد السعيد إدريس يكتب:التحدي الأهم أمام أردوغان
رغم كثافة التحديات التي تواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد فوزه بالانتخابات، إلا أن أخطر هذه التحديات هو تطوير المشروع الأيديولوجي للحكم سواء أخذ اسم «العثمانية الجديدة» أو أخذ «الأردوغانية» الذي يحكم به أردوغان.
هذا المشروع تعرض لاختبار شديد القسوة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة على مستويين؛ الأول، هو محتوى هذا المشروع من رؤى وأفكار سياسية تجمع بين الأصالة (التجربة العثمانية بكل تاريخيتها ورمزيتها) وبين المعاصرة، أي ما أدخله أردوغان ورفاقه من تجديد كان مثار إبهار لملايين الأتراك من الرجال والنساء، الشيوخ والشباب معاً، أما المستوى الثاني فهو الزعامة التي يمثلها الرئيس التركي، الذي لن يكون من حقه الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية القادمة وفقاً لنصوص الدستور الذي أشرف أردوغان على صياغته وأتاح له الحكم حتى عام 2028.
بالنسبة للمشروع السياسي نستطيع أن نقول إنه لم يعد مبهراً على نحو ما كان على مدى السنوات العشرين الماضية. ولكن نستطيع أن نقول إن هذا المشروع دخل مرحلة الانحدار أو «منحنى السقوط» في الانتخابات التشريعية السابقة عندما لم يستطع «حزب العدالة والتنمية» الحاكم الذي يحمل هذا المشروع تحقيق الأغلبية في الانتخابات التشريعية عام 2018 كما هي عادته ليحكم منفرداً، واضطر للتحالف مع حزب الحركة القومية ليؤمن الأغلبية للحكم، وفي عام 2019 واجه اختباراً لا يقل صعوبة في الانتخابات المحلية أو البلدية عندما خسر هذه الانتخابات في أهم المحافظات والعواصم خاصة العاصمة أنقرة وإسطنبول وأزمير وأنطاليا وغيرها. وتأكد هذا الانحدار في الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم 14 مايو الفائت. ففي هذه الانتخابات التي شكل فيها حزب العدالة والتنمية تحالفاً انتخابياً حمل اسم «تحالف الجمهور» لم يتمكن من إقناع حليفه الأساسي حزب الحركة القومية بخوض الانتخابات التشريعية بقائمة موحدة، حيث قرر حزب الحركة القومية خوض تلك الانتخابات بقائمته الخاصة. وفي هذه الانتخابات تراجعت مقاعد حزب العدالة والتنمية عن الانتخابات السابقة لعام 2018، فقد حصل في تلك الانتخابات على 295 مقعداً بينما حصل في الانتخابات الأخيرة على 268 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 600 مقعد، مقابل 213 مقعداً لتحالف الأمة المعارض بزعامة حزب الشعب الجمهوري.
ربما يستطيع حزب العدالة والتنمية وتحالفه مع حزب الحركة القومية إسقاط المشروع السياسي ل”تحالف الأمة” المعارض، وعلى الأخص أهم بنوده وبالتحديد تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني، لكنه وفق هذا «المنحنى الهابط» لن يكون بمقدوره مستقبلاً تأمين استمرارية مشروع الأردوغانية السياسية.
الأمر نفسه ينطبق على المستوى الثاني، أي مستوى الزعامة، فالرئيس أردوغان فقد الكثير من بريقه وقدرته على الإبهار بعجزه عن إيجاد حلول للمشاكل والأزمات، انعكس ذلك جيداً في صناديق الاقتراع. ففي الجولة الأولى من الانتخابات بلغت نسبة الاستقطاب الشعبي ذورته بين «دعوة التغيير» التي رفعها المرشح المعارض كمال كليجدار أوغلو، وبين الاستمرارية التي كان يمثلها أردوغان التي بدت «باهتة» أمام بريق دعوة التغيير. واضطر أردوغان لأول مرة إلى دخول جولة انتخابية ثانية يوم الأحد الفائت، وفي الجولتين لم يستطع أردوغان تحقيق فوز له اعتباره. في الجولة الأولى حصل أردوغان على 49,52% من الأصوات مقابل 44,88% حصل عليها أوغلو. وفي الجولة الثانية حصل أردوغان على 52,14% من الأصوات بينما حصل أوغلو على 47,86% من الأصوات، ما يعني أن ما يقرب من 50% من المصوتين الأتراك ظلوا على إصرارهم في قول «لا» للرئيس أردوغان.
السؤال المهم بهذا الخصوص هو سؤال مزدوج: كيف سيكون في مقدور الرئيس أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» استعادة الإبهار لمشروع «العثمانية الجديدة» أو «الأردوغانية» من الآن وحتى عام 2028 القادم موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، وكيف سيكون في مقدوره تجديد الزعامة واستعادة رونقها في ظل الغياب المؤكد للرئيس أردوغان عن الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث إنه لن يكون له الحق الدستوري للترشح في هذه الانتخابات. هل سيتمكن الرئيس وحزبه من تجهيز زعيم جديد له ذات البريق يكون بمقدوره منافسة المرشحين المحتملين لحزب الشعب الجمهوري مثل أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول ومنصور ياواش رئيس بلدية أنقرة؟
الانتخابات البلدية المقبلة في عام 2024 ستكون اختباراً حاسماً لمستقبل الأردوغانية هل ستكون مجرد تجربة عابرة للتاريخ في حياة الشعب التركي أم ستؤكد قوتها وقدرتها على هندسة مستقبل تركيا في السنوات المقبلة؟