كتابنا

د. محمد رجب يكتب..

 

تعليــم الفهــم ( 3)

في مقال أسبق (تعليم الفهم ” 1 “) قرأنا أن امتحانات الثانوية العامة لهذا العام 2021 أظهرت قصوراً لدى أبنائنا في الفهم، ولا سيما في المستويات العليا منه، وكشفت عن حاجة أبنائنا إلى تعلم التفسير والتطبيق والنقد، وأكدنا أنه مع تقدم وسائل التواصل: السمعي والمرئي والمقروء، وزيادة كم المعلومات والمعارف لم يعد مقبولاً محاولات الحفظ والاستيعاب فقط، بل أصبح من الضروري الإفادة من كل ما يصلنا من معرفة في حل ما يصادفنا من مشكلات، وما نحتاجه للتعايش مع المتغيرات. لقد أصبح تعليم الفهم مسؤولية الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل.

وفي مقال سابق ((تعليم الفهم ” 2 “) عرضنا مستويات فهم المسموع أو المقروء، والمراحل التي نمر بها ليصل ابناؤنا إلى الفهم المطلوب، وعرفنا كيف نتدرج في تعليمنا الفهم لأبنائنا؟ بماذا نبدأ؟ وماذا يليه؟ وما النهاية التي نأمل أن يصل إليها فهمهم لما يسمعونه، وما يقرؤونه.

ويتبقى أن نستعرض – في هذا المقال (تعليم الفهم ” 3 “) واحدة من أهم طرق تعليم الفهم، وإكساب مهاراته، وتنميتها لدى الأبناء والمتعلمين. وهي طرح أسئلة بعد كل موقف تعليم فيه استماع إلى كلمة أو حكاية أو حديث، أو فيه قراءة لموضوع أو درس أو مقال، وما شابه.

السؤال: ” جملة تبدأ بأداة استفهام توجه إلى شخص معين للاستفسار عن معلومة معينة، ويعمل هذا الشخص فكره في معناها؛ ليجيب بإجابة تتفق مع ما تتطلبه هذه الجملة من استفسار.

واستخدام الأسئلة الشفوية والمكتوبة أداة أساسية للمناقشات التي تعد أكثر طرق التعليم تطبيقا لدى المربين و المعلمين؛ فهي تساعد في إثارة الميول ، والتشجيع على المشاركة الفعالة ، والكشف عن جوانب القوة والضعف في الاستيعاب ، وفي الكشف عن طرق أخرى لحل المشكلات ،ويوفر فرصاً تطبيق واستعمال ما تم تعلمه من مفاهيم .

والأسئلة تحمل على استيعاب النص المدروس، وعلى تبادل الأفكار حوله، وتنمي القدرات على تحليل هذا النص، وعلى توجيه الاستقصاء، واتخاذ القرار بشأن لغته ومضمونه، كما تساعد على تحديد المعلومات السابقة ، و مدى وفاء المفاهيم والمهارات المتضمنة في هذا النص بالاحتياجات لدى الأبناء والمتعلمين.

وبصفة عامة فإن الأسئلة (في مواقف التربية والتعليم) تعزز الدافعية للممارسة بتشجيع الأبناء والمتعلمين على المشاركة الفعالة في مواقف التواصل بالرد على الأسئلة، وتقديم الاقتراحات، وطرح التساؤلات، وتسجيل الرؤى والانطباعات.

إن الحوار والمناقشة مع الأبناء باستخدام الأسئلة والأجوبة توفر لهم فرص استخدام المفردات والتراكيب التي وردت في النصوص المسموعة والمقروءة، وتوظيف الأفكار التي تناولتها، والاستفادة من الاستشهادات والجماليات التي وردت فيها.

إننا ( الآباء والأمهات والمعلمين ) نحتاج إلى مهارة صوغ السؤال ؛ فوضوح كلمات السؤال ، وسهولة عبارته وتركيبه ،وبيان هدفه ، وملاءمته لقدرة المسئول كلها عناصر أساسية تساعد في الوقوف على فهم المراد من السؤال بلا تحير أو تشتت ، كما تعين في الحصول على الإجابة الصحيحة والمطلوبة .

إن سلامة تركيب الأسئلة ، ووضوح كلماتها ، وسهولتها ودقتها وفصاحتها ،وتنوعها وشمولها للمستويات العقلية المختلفة ، ومناسبتها لقدرات المتعلمين وإثارتها لتفكيرهم ، وتركيزها على توظيف ما تعلموه والاستفادة منه في مواقف جديدة ، كلها وغيرها معايير للأسئلة الجيدة الواجب توافرها في مواقف التربية والتعليم التي تستهدف تعليم الفهم ، والارتقاء بمستوياته.

ونشير هنا ( بصورة مبسطة ) إلى عدد من أنواع الأسئلة التي تحفز على فهم المسموع أو المقروء ، وترتقي بمستواه ، وتعين على اكتساب المهارات العليا له ؛ مما يؤدي إلى تجنب الشكوى في مواقف الامتحانات ، وقياس مستويات الأداء. ومن هذه الأسئلة التي انصح بدوام استخدامها في حواراتنا مع الأبناء والمتعلمين:

– الأسئلة التحليلية ، وتتحدد صحتها بتحليل الإجابة وفحصها في ضوء ما تم تعلمه من تعريفات أو حقائق .

– الأسئلة الواقعية ، وإجاباتها تعتمد على الواقع ، وتتحدد صحة هذه الإجابة بملاحظة هذا الواقع .

– الأسئلة التقديرية ، وتستثير استجابات نقدية ، وتعرض آراء شخصية مدعمة بمعايير خاصة .

– الأسئلة الواسعة المنفتحة التي تستثير التفكير ، وتكون إجاباتها عادة أطول ، ولا يمكن التنبؤ بإجابة واحدة أو محددة للسؤال ، وتتطلب استخدام عمليات التفكير العليا ، ويقوم المجيبون خلالها بالتأمل ، و إبداء الآراء ، وطرح الحلول

– الأسئلة المتشعبة : وهي الأسئلة التي يمكن أن يكون لها إجابات عديدة وصحيحة ، وتتعامل مع الافتراضات ، وإصدار الأحكام .

– أسئلة الامتداد : وتقدم أثناء الموقف التعليمي ، ويكون هدفها إثارة الاستجابات للتوضيح ولدراسة الموضوع .

– الأسئلة التفسيرية: وتهدف إلى الإثارة للتفاعل مع المسموع أو المقروء، وإضفاء معاني عليه بالتفسير والتحليل والاستنتاج، وتأمل ما بين السطور من أفكار ومعاني.

– الأسئلة التطبيقية: وتهدف إلى مساعدة المتعلمين على توظيف لغة النص المقروء ومضامينه في إصدار حكم أو الإدلاء برأي، أو حل مشكلة، أو تكوين صياغة جديدة، أو فكرة مستحدثة.

ومعنى ما سبق : إن الحوار والنقاش مع الأبناء حول أي موضوع ، ومحاولة استدعاء ما لديهم من معلومات ، واستثارة ما بداخلهم من أفكار ومشاعر وآراء ، والارتقاء بمستويات ما يتم طرحه عليهم من أسئلة خلال هذه الحوارات ، وتدرجها وصولاً إلى أعلاها ، وتنويعها – يساعد في تعويدهم إعمال العقل فيما يتلقونه من معلومات وأفكار ، والحرص على استيعابها ، وتحليلها ، وتقويمها ، والإفادة من مستخلصاتها ، والموازنة بينها بما يضمن تجنب الغث منها ، وتصويب الخطأ فيها ، وتحصيل المفيد منها ، والتدليل بالصحيح والسليم المتفق مع الأعراف والقيم والعلم الصحيح.

إن سلسلة مقالات تعليم الفهم أفرزتها مشكلة واقعية عاشتها الأسرة إبان امتحانات الثانوية العامة السابقة، وشكوى الأبناء من صعوبة الأسئلة، والحاجة إلى جهد ووقت للإجابة عنها، وسعت المقالات الثلاثة إلى تشخيص المشكلة، واستعراض مظاهرها، واقتراح حلول لها.

ونعتقد بذلك أننا قد قدمنا خدمة لقارئ صوت القبائل العربية في تناولنا لواحدة من المشكلات الحياتية التي تصاف الأسرة والمدرسة في تربية الأبناء وتعليمهم.

ونأمل أن نتناول فيه موضوعاً تربوياً، يمكن أن يكون مفيداً في مقال قادم. لو كان في العمر البقية . والله الموفق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى