مرأه بدوية

“قنطرة الوداع”.. تخليد لاسم المرأة في العصر المملوكي

تقع قنطرة “خواند أصلباي” على بحر يوسف الذي يشق مدينة الفيوم، وتحديدا في حي الصوفي، حيث يحدها من الناحية الشرقية بحر يوسف، ومن الناحية الغربية ميدان الجمهورية، أما من الناحية الجنوبية فيقع الجامع الذي كان جزء لا يتجزأ منها وهو جامع ” قايتباي”، حيث إن نصف المسجد من جهة الشمال كان يقع فوق هذه القنطرة التي تعتبر قنطرة المرور إلى مقابر المدينة من جهة الشمال، لذا عرفها غالبية أبناء مدينة الفيوم وحي الصوفي بـ”قنطرة الوداع”.

بحسب ما هو مدون على لوحين من الرخام تم تثبيتهم على مدخل مسجد “خواند أصلباي”، فأنه بدأ إنشاء كل من الجامع والقنطرة في العصر المملوكي وتحديدًا في الخامس عشر من شهر شوال عام 903 هـ/1497م، وتم الانتهاء منهما في ربيع الآخر عام 905هـ/ 1499م.

الاهتمام بالمنشآت المائية

ليست كثيرة تلك المعالم الأثرية التي تسمي بأسماء سيدات، أو تلك التي تم إنشائها بأمر من امرأة، وخاصة في الآثار الإسلامية وفي الفيوم تحديدا، وهو ما يعطي مسجد قايتباي والقنطرة المسماة باسم قنطرة خواند أصلباي طابعا خاصا، حيث إنها من أمرت ببناء المسجد والقنطرة زوجة السلطان الأشرف قايتباي، وأم السلطان الناصر محمد قايتباي الذي تولى الحكم بعد أبيه، وكانت أخت السلطان سعيد قانصوه.

وعن القنطرة كأثر إسلامي يقول إبراهيم جابر، مدير الآثار الإسلامية بالفيوم: “تعد قنطرة خواند أصلباي هامة للغاية وكان الغرض من إنشاؤها مرور المياه بالإضافة إلى الغرض الأساسي من بنائها وهو توسعة مسجد قايتباي، وبالفعل تمت توسعة المسجد ببناء جزء كبير على القنطرة يكمل الجزء المقام على الأرض، ولكن في أعقاب حدوث زلزال عام 1887م حدثت تصدعات قوية في حوائط المسجد، ونتيجة لحدوث زيادة في منسوب مياه بحر يوسف حدث في عام 1892م انهيار الجزء الذي كان يقع على القنطرة، ولم يبق سوى الجزء الذي كان على الأرض والموجود الآن”.

واستنادا إلى ما سبق وهو جزء يسير بالطبع، كانت الفيوم إحدى الولايات الهامة التي كانت تعطى للأمراء المفضلين لدى السلطان، وهو السبب الذي كان جميعهم يهتم بشكل خاص بالمنشآت المائية، حيث إن الفيوم جغرافيا منخفض عن سطح البحر ما يجعلها بشكل دائم عرضة للغرق بسبب مياه الفيضانات، وتعد قنطرة خواند أصلباي ضمن القناطر المائية الهامة في الفيوم، كما كانت زوجات السلاطين و أمهاتهم تحظى بمكانة رفيعة وسلطة هامة ونفوذ قوي في العصر المملوكي ومن بينهم خواند أصلباي.

تكوين القنطرة

تشير الدكتورة عائشة التهامي بكلية السياحة والفنادق بجامعة الفيوم، في كتابها “ملامح من حضارة الفيوم القبطية والإسلامية“، إلى أن قنطرة خواند أصلباي عبارة عن فتحتين على شكل عقود مدببة، ترتكز من المنتصف على دعامتين على جانبي كل دعامة بناء حجري على شكل مثلث قاعدته لأسفل ورأسه لأعلى، وهو يرتفع بحوالي أحد عشر مدماكا، وكان الغرض من بنائه وفق هذا التصميم هو مضاعفة متانة القنطرة وقدرتها على التحمل، ويتشابه عقد القنطرة المحدب الشكل مع قنطرة الظاهر بيبرس بالقاهرة، بينما السور الحجري الذي يحيط بالقنطرة الآن فهو سور حديث يعلوه جزء من الحديد.

ويأتي عرض العين الأولى للقنطرة حوالي 3,85 م، ويبلغ عرض العين الثانية 3.59م، بينما يبلغ طول الواجهة الأمامية 20.23م، في حين يصل ارتفاع القنطرة عن بحر يوسف إلى 36.3م، وتذكر التهامي أن عملية ترميم بالخرسانة المسلحة تمت للقنطرة عام 1934.

خطأ شائع

غالبا لا يعرف معظم أهالي مدينة الفيوم أو حي الصوفي اسم قنطرة ومسجد خواند أصلباي، وقد يكون جواب كثيرين “لا نعلم مكانهما” إذا سألت عنهما بهذا الاسم، أما إذا قلت مسجد قايتباي فسيتم الرد عليك بسهولة، إذ يعرف الجامع بهذا الاسم.

وهذا بالطبع خطأ شائع في المعرفة بتاريخ هذا الأثر، لأن الثابت تاريخيا أن القنطرة والجامع أمرت بإنشاء كلاهما خواند أصلباي، وهو ما يجعل من إطلاق اسم جامع قايتباي علي جامع خوندا أصلباي خطأ يتداوله غالبية أهالي الفيوم، وتشير مصادر أنها أمرت بتشييد هذه القنطرة وهذا الجامع بناء على وصية من الشيخ الصالح والورع “عبدالقادر الدشطوطي”، والذي كان يعيش في زمن سلطنة ابنها الناصر محمد بن قايتباي، وبُني له مسجد في عهد قنصوة الغوري يشبه إلى حد كبير عمارة وطراز مسجد خوندا أصلباي.

يوضح إبراهيم جابر، مدير الآثار الإسلامية بالفيوم، أن مسجد خواند أصلباي يطلق عليه مسمى المسجد الجامع، حيث كان يوجد في كل مدينة مسجد جامع واحد فقط أو اثنين على أقصى تقدير، فقد كان يمتاز بمساحته الواسعة، وكانت تقام فيه صلاة الجمعة وصلاة العيدين كي تكون خطبة الجمعة أو العيد واحدة لكل أهل المدينة، وكان تصميمه يتكون من صحن أوسط كبير مكشوف تحيط به مجموعة من الأروقة.

كما يوجد بداخل مسجد خواند أصلباي بعض القطع الأثرية المميزة، مثل دكة المقرئ وباب المسجد والمنبر الذي يمتاز بأنه يمكن فكه وتركيبه، كما أن المنبر مطعم بسن الفيل الذي استورد خصيصا للمسجد من الصومال.

من هو السلطان الأشرف قايتباي زوج خواند أصلباي؟

من المماليك الجراكسة والمماليك البرجية، هو السلطان الأشرف قايتباي المحمودي، سلطان الديار المصرية ولد سنة 815 هـ أي 1412م، وتولى الحكم عام 872هـ واستمر حكمة حتى ثمانية عشر عامًا، ويذكر أن فترة حكمة كانت حافلة بالحروب حيث تعرضت البلاد للعديد من الأخطار الخارجية، لذا قام بإنفاق العديد من الأموال على الجيوش.

ويقول الدكتور مفيد الزيدي في “موسوعة التاريخ الإسلامي العصر المملوكي“، إن الأشرف قايتباي كان متقشفا ذو نزعة صوفية، وكان مهيبًا ذو بأس وقوة وشجاعة وحنكة وحكمة، وقد ترك العديد من الآثار المعمارية الهامة وأهمها قلعة قايتباي بالاسكندرية، ويرجع الزيدى سبب بقاؤه في الحكم فترة طويلة لجمعه المخلصين من حوله، وشدته في التخلص من أعدائه، كما كان يأخذ الأموال من الأغنياء لصالح الدولة وإصلاح ما بها وتوزيعها على المحتاجين، وكان من أعظم السلاطين في التاريخ المملوكي.

ويتم الآن أعمال الترميمات داخل جامع خواند أصلباي أو مسجد “قايتباي”، الذي تم غلقه منذ أكثر من سبع سنوات نتيجة حدوث هبوط في أرضية المسجد وشروخ وتنميلات في بعض الجدران، بالإضافة لزيادة الرشح بها، وخوفا على المصلين من خطر انهيار المسجد قامت وزارة الآثار بغلقه ويأمل أهالي الفيوم أن تتم الترميمات سريعًا حتى يتمكنوا من الصلاة داخل المسجد مرة أخرى.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى