حوارات و تقارير

حدث في مثل هذا اليوم.. وفاة محمد صبري السوربوني أعظم مؤرخى مصر الحديثة 

كان الدكتور محمد صبري السوربوني، يدرس بجامعة السوربون في باريس. حين وصل إليها الزعيم سعد زغلول على رأس الوفد المصري يوم 11 إبريل 1919، لحضور مؤتمر الصلح. فتوثقت علاقته بسعد الذي اختاره سكرتيراً ومترجماً للوفد، ودار حديث بينهما. وقال فيه السوربونى: “قبل السلاح والحماسة، علينا أن نكتب تاريخ مصر أولا بشكل دقيق”. فرد سعد: “ماتكتبه يا فالح، حاكتبه أنا”، حسبما يذكر الدكتور محمد صابر عرب في مقاله “محمد صبرى السوربونى.. ظلم حيا وميتا”.

مسار محمد صبري السوربوني العلمي

ويرى عرب، أن هذه الفترة من حياة السوربوني غيرت من مساره العلمي، ليصبح “أعظم مؤرخي مصر الحديثة” بتقدير المفكر المؤرخ محمد عودة فى إهداء كتابه “أحمد عرابى قصة ثورة” إليه. ويعتبره الكاتب الصحفى محمد حماد من أوائل المؤرخين المؤهلين الذي يركز على دور الشعب كفاعل في التاريخ المصري، وفقا لمقال “محمد صبرى السربونى.. مؤرخ لم ينصفه التاريخ”.

وحسب كتاب “وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره”: “ولد السوربونى فى المرج بمحافظة القليوبية عام 1890. ونال شهادة البكالوريا عام 1913، وأصدر فى عام 1910 وهو مازال طالبا بالمرحلة الثانوية. الجزء الأول من كتاب “شعراء العصر” بمقدمة للأديب مصطفى لطفى المنفلوطي. وأصدر الجزء الثاني عام 1912 بمقدمة للشاعر العراقى جميل صدقى الزهاوي. وسافر إلى فرنسا عام 1914 للدراسة.

ومع اشتعال الحرب العالمية الأولى عاد إلى القاهرة، ثم عاد إلى باريس على نفقته. والتحق بالسوربون عام 1915 فحصل على شهادة الليسانس عام 1918 ثم الدكتوراه بأعلى مراتب الشرف. وهو الذي زف خبر نجاح طه حسين فى الامتحان، كما روى طه بنفسه في سيرته “الأيام”. وأشار إلى زميل ثالث اسمه جلال شعيب هو بطل رواية “أديب”، وقد ضيع شبابه في باريس وعجل ذلك بمنيته قبل أن يظفر بأى شهادة.

ويذكر “فلسطين”، ما قاله له السوربوني عن سبب دراسته في السوربون: “كان من قبيل التحدى، وانكب على دراسة اللغتين اللاتينية والفرنسية. وبلغ من اتقانه الفرنسية حدا جعله يؤلف كتبه بها وينشرها في باريس بمقدمات لأساتذته المرموقين. ومن قبيل التحدى أيضا، تخصص فى مجالين هما التاريخ والأدب وأضاف إليهما هواية الفن”.

وفى كتاب “أفكار الكبار” يقول فتحى رضوان: “كان أول مصرى يحصل على درجة دكتوراه الدولة من السوربون. وداعبه أصدقاؤه فأسموه “السربوني” على سبيل المعابثة، فلم تخفه المداعبة العنيفة، وأبى. إلا أن يجعل لقبه السربوني، فراح علما عليه، وحصل على هذا اللقب العلمي الجليل فب سنة 1924. وكانت رسالة الدكتوراه عن “نشأة الروح القومية في مصر”.

مؤلفاته

عاد إلى مصر عام 1924، ويذكر “عرب” أنه عمل مدرساً للتاريخ في مدرسة المعلمين العليا. ثم التحق بالعمل في الجامعة المصرية لعامين، وفي 1926 أصدر كتابه الشهير “تاريخ مصر من محمد على إلى اليوم” بتكليف من وزارة المعارف التي قررته على طلاب المدارس الثانوية. وهو الكتاب الأول الذي أعاد الاعتبار إلى أحمد عرابى، وتوالت مؤلفاته، “الإمبراطورية المصرية في عهد محمد علي والمسألة الشرقية”. و”الإمبراطورية المصرية فى عهد إسماعيل والتدخل الإنجليزى الفرنسى”. و”السودان المصرى 1821- 1889″، و “أسرار قضية تدويل قناة السويس” و “فضيحة السويس” عقب حرب السويس 1956.

ومن مؤلفاته أيضاً “المسألة المصرية”، و”تقرير الزعيم أحمد عرابى إلى المحامين” و”الثورة الفرنسية ونابليون”. و”نوبار باشا” وغيرها من المؤلفات التاريخية، وفى مجال الأدب قدم “خليل مطران”، و”الشوقيات المجهولة” بجزأيه، وسلسلة “الشوامخ” عن شعراء ما قبل الإسلام، و”محمود سامى البارودي”، و”إسماعيل صبرى”، وبلغ إبداعه أكثر من مائة كتاب وبحث أكاديمى، فى التاريخ والأدب، بتقدير صابر عرب.

ويتذكر “فلسطين”، أنه استكتبه مرة مقالا عن ذكرياته، فاستهله بقوله: “كان في نيتي أن أكتب قصة حياتي بعنوان لقد عشت مليون سنة ولا غرابة في ذلك، فإن مقاييس الزمان والمكان التي نعرفها سطحية، فليس الخط المستقيم أقرب الطرق دائما إلى الغاية، إذ يطيب لي أحيانا أن أبلغ الغاية من طرق جانبية متنوعة، أخرج من طريق إلى طريق، من منعرج إلى منعرج، دون أن أحس بطول المسافة والزمن، والواقع أن كل شىء نسبى مرهون بظروفه وملابساته، وقد يطول الزمن ويقصر ويبطئ ويعجل، فلا يصح قياسه بمقياس جامد لا يحسب حسابا لروح الزمن واختلاف مراحله”.

وفاته

ورأى السوربوني، أن تجربته تساوي العيش مليون سنة، لكنه في الحقيقة عاش 85 عاماً أويزيد، لأن هناك اختلاف في تحديد سنة مولده، وعاش في جزء منها وحيداً منسيًا، بعد انفصاله عن زوجته السويسرية وهجرة أبنائه، حتى توفي يوم الأربعاء، 18 يناير، مثل هذا اليوم، 1978، ويذكر فتحى رضوان بأسى: “في ظهر الخميس لم يودعه إلا عدد من عارفي فضله، ولا يزيدون على العشرة، وانصرفنا من الجنازة المتواضعة التى لم تستوقف أحدا، ولم تزحم طريقا، ولم تظفر من الصحف بسطر، ونحن موقنون بأن اسم محمد صبرى سيلمع ويضيء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى