حضارة غير مسبوقة.. التطور العمراني للقاهرة في عهد الظاهر بيبرس
بلغت القاهرة القمة في تطورها العمراني في العصر المملوكي (648- 923هـ/1250-1517م). وقد اتسع مدلول لفظ القاهرة بين المؤرخين والرحالة وكتاب الخطط في العصر المملوكي ليشمل المدينة المسورة التي بناها الفاطميون. وظواهرها أي الخطط والحارات التي بنيت خارج الأسوار. وكذلك شمل العواصم القديم الفسطاط والعسكر، والقطائع، بالإضافة إلى القلعة. إلى جانب الضواحي الشمالية، وذلك لاتصال التعمير في كل هذه الأنحاء حتى غدت القاهرة الكبرى مدن العالم آنذاك.
زيادة عدد السكان في عصر الظاهر بيبرس
وقالت علياء داود، الخبيرة في التراث، إنه منذ أوائل الدولة المملوكية زاد عدد سكان القاهرة نتيجة للهجرات التي جاءتها من شرق العالم الإسلامي فراراً من المغول. فوجب ذلك زيادة مساحة القاهرة، ويتضح ذلك جلياً في سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري (658 -676هـ/1260-1277م). حيث بنى في أيامه ما لم يبن في أيام الخلفاء المصريين (الفاطميين) ولا ملوك بنى أيوب من الأبنية والرباع والخانات والقواسير والدور والمساجد والحمامات. من قريب مسجد التبن إلى أسوار القاهرة إلى الخليج وأرض البطالة.
وأضافت داود، أن العمائر وصلت إلى باب المقسم إلى اللوق إلى البورجي. ومن الشارع إلى الكبش وحدره ابن قميحة إلى تحت القلعة ومشهد السيدة نفيسة رضى الله عنها إلى السور القراقوشي. وكان الملك الظاهر بيبرس قد أمر في سنة 660هـ/12161 م بعمارة الجانب الغربي للخليج بالدور الكثيرة في منطقة باب اللوق لإسكان قسم من جيش هولاكو قائد المغول فر إلى مصر في تلك السنة.
وأكدت الخبيرة في التراث، أن الظاهر اهتم أيضاً بمنطقة جنوب غرب القاهرة، كما عمرَّ قناطر السباع على الخليج ليسهل العبور بين ضفتي الخليج وييسر الطريق بين القاهرة ومصر القديمة. وعَمَّر الجسر الأعظم الفاصل بين بركتي الفيل وقارون جنوبي القاهرة حتى ييسر الطريق إلى القلعة.
وتابعت، إن الظاهر بيبرس اهتم بالقلعة اهتماماً كبيراً، فعمر بها عمارات عظيمة جعلتها أشبه بالمدينة. واهتم بالأسواق حولها وخصوصاً سوق الخيل بالرميلة وأنشأ به حماماً لولده الملك السعيد. وقد عمل الظاهر على اتصال العمارة من باب زويل إلى القلعة. فأنشأ في تلك المسافة بيوتاً للأمراء، يسكنوها بحاشيتهم واتباعهم لأنه ” كان يكره سكنى المير بالقاهرة مخافة من حوّاشيه على الرعية”.
تعمير القاهرة
وأشار إلى أن الظاهر عمل أيضاً على تعمير القاهرة خارج سورها الشمالي. فأسس في سنة 665هـ/1266م جامعة الكبير شمال الحسينية، وأنشأ زاوية الشيخ خضر على الخليج بجواره، وبنى حماماً وطاحوناً وفرناً. وبدأ حي الحسينية يتطور منذ أيامه حتى بلغ أوج ازدهاره في أيام سلطنة الناصر محمد بن قلاوون الثالثة( 709 – 740هـ/1310- 1341م).
أما عن القاهرة الفاطمية، فكانت مكتملة العمارة في ذلك الوقت وإن ما كان يحدث بها إما مجرد ترميم أو تعمير لخرائب أو هدم وإعادة بناء. وقد عمر بها الظاهر مدرسة عظيمة ذات تخطيط جديد اتخذ نبراساً لما بنى بعدها من مدارس، وكان لها دور علمي كبير في العصر المملوكي.
بالإضافة لذلك فقد جدد الظاهر بعض الجوامع السابقة مثل جامع الفكهاني الذي بناه الخليفة الفاطمي الظافر (544 -549هـ/ 1149- 1154م). وجدد الجامع الأزهر، وأعاد إليه خطبة الجمعة بعد أن توقفت مائة عام، وقد اهتم بيبرس بجزيرة الروضة ورمم المقياس بها.
وحظي حي الحسينية بعناية كبرى أثناء سلطنة الملك العادل كتبغا (694 – 696 هـ/ 1294 – 1296م). فقد أقيم به الكثير من الدور والمنشآت الدينية والاجتماعية. والأسواق العظيمة حينما أنزل الملك العادل به مهاجرين من المغول المعروفين بالاويراتية في سنة 695 هـ / 1295م .