هكذا احتفل أقباط مصر بـ«عيد الميلاد» قديما
تقيم الكنائس في محافظات مصر قداس عيد الميلاد المجيد، بحضور الآباء والكهنة دون حضور الشمامسة أو المواطنين على خلاف الاحتفالات قديما التي كانت لها طقوس شعبية مميزة لا تمر مرور الكرام.. يستعرض الاحتفال بعيد الميلاد قديما.
صوم الميلاد
يدخل الأقباط قبل عيد الميلاد المجيد في فترة الصوم، التي تستغرق نحو 43 يوما، لا يأكلون سواء الطعام النباتي، إلا أن يبدأ صيام الانقطاع، الذي ينتهي أيضا بحلول السابع من يناير وهو يوم عيد الميلاد المجيد، ويكون الاحتفال وفقا لتقويم الكنائس الشرقية.
مشاعل وشموع وفوانيس
كنائس مزينة، مشاعل وشموع ملونة بألوان زاهية ومختلفة، أكلات وحلوى وفوانيس، كانت هذه أهم مظاهر احتفال الأقباط بعيد الميلاد المجيد في العصر الفاطمي، فقد شهد هذا العصر أشهر احتفالات الأقباط الشعبية، وحسب ما ذكر في كتاب “المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار” للمقريزي، فإن الاحتفالات في يوم الميلاد المجيد كانت عظيمة يشارك فيها المسلمون والأقباط على حد سواء.
وصف المقريزي ما رآه أثناء احتفالات عيد الميلاد في مصر، قائلا: “أدركنا الميلاد بالقاهرة وسائر أقاليم مصر، فقد كان موسمًا جليلًا، تُباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ الجميلة والتماثيل البديعة بألوان لا تنحصر، ولا يشاهد أي أحد من الناس في الشارع سواء الأغنياء أو الفقراء إلا وقد اشترى لأولاده وأهله الفوانيس، وتعلق الفوانيس المزينة على أبواب المحال والحوانيت، كما كان الفقراء شديدي الفقر أو المتسولون يسألون المارة التصدق عليهم بفانوس، ولهذا السبب صنعت فوانيس خاصة لهؤلاء يبلغ ثمنها دينار واحد فقط، كان المهم الاحتفال وحمل الفانوس أي كان ثمنه، لكن عندما اختلت الأمور في الدولة الفاطمية، قل تصنيع الفوانيس وأصبحت نادرة فيما بعد”.
بالطبع لا نعلم كثيًرا عن شكل تلك الفوانيس وهل كانت تشبه الفوانيس الخاصة بشهر رمضان وقتها أم ماذا، لكن ما هو واضح أن الجميع كان يحتفل بهذا اليوم على حد سواء أغنياء وفقراء، مسلمين وأقباط، وبالطبع كانت تتراوح الأسعار التي تناسب كل طبقة، فقد ذكر المقريزي أنه شاهد شمعة وصل سعرها ألف وخمسمائة درهم من الفضة، وكانت مزينة بحوالي سبعين مثقالًا من الذهب، كما يذكر المقريزي أشكال الشموع التي تتنوع ما بين شموع على شكل قبة أو عمود، وهناك شموع مزخرفة أو محفورة.
توزيع الحلوى
اعتاد الفاطميون في يوم عيد الميلاد توزيع الحلوى، وكان من أهم الأنواع التي توزع حلوى “القاهرية” وهي نوع من الحلوى كانت تصنع من الدقيق الذي يضاف إليه عسل النحل ويقلب ويوضع على نار هادئة، ثم يضاف للخليط اللوز ويترك حتى يبرد ويقطع إلى قطع، كما كانت توزع السمسمية وهي حلوى يضاف فيها السمسم إلي العسل، وحلوى الزلابية الشهيرة التي توجد إلى الآن في مصر بنفس الاسم، لم يقتصر الأمر على تلك الحلوى فقط، بل كان يوزع أيضًا السمك ” البوري”.
وذكر المقريزي، أن الأمراء المترفين وسائر الموالي، كانوا يعلمون عظيم هذا اليوم، فيوزعون “الجامات” أي الأواني الخاصة لوضع الطعام المملوءة بحلوى القاهرية، والسمك البوري، وقرابات الجلاب وهي القرب المملوءة بماء الورد، وطيافير الزلابية أي “أطباق” الزلابية، كما ذكر المقريزي كيف كانت السلطة المملوكية توفر المزيد من الأمان والأمن طوال الاحتفالات، التي كانت تمتد في كافة شوارع القاهرة.
القصب والقلقاس والكعك
بالطبع اختلف شكل الحلوى على مر العصور، لكن لم يختلف الطقس وتناول الحلوى في عيد الميلاد المجيد، فقد حل الكعك المصنوع من الدقيق والزبد، والمرشوش على وجهه السكر الناعم محل حلوى الزلابية والقاهرية التي كانت توزع في العصر المملوكي.
وفي عيد الغطاس الشهير، الذي كان يحتفل به المسلمون والأقباط معا على ضفاف النيل حتى طلوع الفجر وينيرون الشموع، اعتاد أقباط مصر تناول بعض الأكلات المميزة وهي “القصب والقلقاس”، فهما ليسا مجرد أطعمة فقط، بل لهم دلالات دينية خاصة.
أما القصب: نباتا يتم زراعته في المناطق الحارة، وينمو بشكل مستقيم، وهو يشير حسب العقيدة المسيحية إلى نقاوة وتحمل الروح بعد الطقس المعروف بالمعمودية، حيث يمر القصب بمراحل مختلفة من النمو، أما لونه الأبيض فهو يشير إلى سمو ونقاء روح الطفل بعد طقس المعمودية، وقديما كان يأتي القصب بكميات كبيرة من الصعيد إلى القاهرة، ويتناوله المصريين على ضفاف نهر النيل أثناء عيد الغطاس، فقد كان يقام الغطاس في نهر النيل فترة كبيرة، حتى تم إلغاءه واقتصرت المغاطس على بعض الكنائس.
والقلقاس: يتناول أيضًا الأقباط أطباق محضرة من القلقاس في العيد، حيث يرمز هو الآخر للمعمودية ويعد من أهم الأكلات، فهو يحتوي على مادة هلامية يقال أنها سامة، لكن بمجرد غسلها بالماء للطهي تتحول إلى مادة مغذية، وهو ما يشير حسب العقيدة المسيحية إلى أن المياه تطهر الخطايا والذنوب للبشر.