مرأه بدوية

سمحة الخولي.. أيقونة الموسيقى وحاصلة على جائزة الدولة التقديرية

في 27 يوليو من عام 1925 تغير غير نمط حياة أسرة العالم الشيخ أمين إبراهيم الخولي، وزوجته نبيهة حسن إبراهيم، بمولد ابنتهما الوحيدة “سمحة” بعد صبيين طريف وأسامة، وفي هذا الصدد نلقي الضوء على نساء ملهمات من مصر والوطن العربي، لطالما ظلت وستظل سمحة الخولي ، أيقونة الموسيقى، إحداهن.

“اكفي القدرة على فمها” مثل قد ينطبق بشدة على سمحة التي شابهت والدتها، مديرة مدرسة البنات ومتذوقة الفن والأدب، تزوج الشيخ الخولي من “نبيهة” الفتاة النجيبة التي تولت منصب مدير المدرسة في سن 17 عامًا، بعد أن رآها ذات يوم في طريقها للعمل، ورغم استقالتها فيما بعد للاهتمام بالأسرة ورعاية الأبناء، ظل الشيخ الخولي يقرأ لها مقالاته ويأخذ برأيها.

بداية المشوار

بعد أعوام من مولدها التحقت “سمحة” بروضة أطفال شبرا وما لبث أن ظهر عليها حبها للموسيقى، وهو ما لاحظته مدرسة الموسيقى مدام إيفون ومفتش المادة خيرت أفندي، رغم صعوبة التعامل مع مديرة المدرسة التي كانت سويدية الجنسية.

يذكر كتاب “سمحة الخولي.. الذاكرة والتاريخ”، الصادر عام 2007 عن سلسة أصوات النساء، حوار وإعداد نهال النجار، أن شعورًا بالتعاسة كان يسيطر على سمحة لتلك النظر التقليدية للبنات التي كانت تصبغ وضعها في الأسرة، مع اهتمام الجميع بأخيها الأكبر أسامة، رغم تدليل والدها لها حيث اشترى لها بيانو وأحضر لها مدرسة أرمينية اسمها آراكس لتعلمها العزف وبعدها مدرس إيطالي وهي في الصف الثاني الابتدائي.

ناشطات صغيرات

وفي الصف الأول الثانوي بدأت الفتاة تعلم اللغة الفرنسية في مدرسة “نوتردام” التي كانت تقع أمام منزلها في مصر الجديدة، وهي تعتبر التحاقها بمدرسة “الثقافة النسوية” واحدة من المحطات المهمة في حياتها. كانت مدة الدراسة في البداية 4 أعوام، ولكن أصبحت 6 أعوام بعد أن قامت سمحة وزميلاتها بالتظاهر مطالبين بمد الدراسة عامين مثل ثانوي البنات، واختارت سمحة علم النفس والموسيقى والتطريز والتفصيل كمجالات تخصصها.

نقطة التحول في حياة سمحة الخولي

جاءت نقطة التحول الحقيقية مع امتحان نهاية العام، حيث أتت المدرسة بممتحنين من معهد الموسيقى، ليشجعوا سمحة بعد رؤيتهم لقدراتها على الالتحاق بالمعهد في بولاق، وهو عبارة عن معاهد معلمات للموسيقى والتربية الفنية والرياضية، وهنا حدث أكبر صدام بينها وبين والدها، حيث رفض تمامًا فكرة احترافها، رغم كونه رجل دين متفتح، تخرج من مدرسة القضاء الشرعي، وألف مسرحية “الراهب المتنكر” عن عبدالرحمن ناصر، وهو طالب، كان هاويًا للمسرح وحين سافر للخارج، رأى امرأة مصرية تدعى “عايدة عالم” كانت تعزف البيانو ولم تكن معروفة بمصر لكن أعجب بعزفها وتمنى لو تكون “سمحة” مثلها، وكان يحكي عنها كثيرًا. في تلك الفترة حدثت فجوة كبيرة بينهما ومرضت فحاولت السيدة “نبيهة” وأخيها “أسامة” اقناع والدها بضرورة التحاقها بالمعهد، وحدث ذلك.

لمست عميدة المعهد الألمانية “بربجيت شيفر” رغبتها في التعلم، فكانت تشجعها وتمدها بكتب بشكل شخصي، ما أن شعرت بالاستقرار إلا وتزوجت للمرة الأولى من أحد تلاميذ والدها وسافرت معه إلى الخرطوم لمدة عام حيث كان مدرسًا في كلية “غوردون”، ولكن كما ذكرت “لم يحدث تواصل بيننا فأتى الانفصال.. ساعدتني الدكتور “شيفر” في العودة ودراسة العامين في عام واحد.”

عضو مؤسس في الكونسرفتوار

حصلت سمحة على دبلوم المعهد العالي عام 1951 بتقدير ممتاز، وسافرت بنفس العام في بعثة لبريطانيا، وسهل السفر زواجها الثاني من صديق والدها المقيم بإنجلترا، وخلال عامين تحديدًا عام 1954 حصلت على الدكتوراه في تاريخ الموسيقى من جامعة “أدنبره” ودبلوم الأكاديمية الملكية للموسيقى بلندن تخصص بيانو “L.R.A.M”، ولكن حدث الانفصال الثاني، وعادت للعيش مع ابنها وشاركت في تأسيس معهد “الكونسرفتوار” بمصر في عام 1959.

 

صوت الموسيقى

ومنذ عام 1975 وحتى 2001، ظلت الدكتورة سمحة الخولي تقدم برنامج “صوت الموسيقى” على القناة الثانية المصرية، وهو ما حقق لها شهرة كبيرة في هذا المجال، لكن لا يمكن إغفال كتاباتها وإسهاماتها المتعددة في الترجمة أيضًا.

حصلت سمحة الخولي على جائزة وزارة الثقافة في النقد الموسيقي عام 1961، وجمال عبدالناصر سنة 1975، والدولة التقديرية في الفنون عام 1984، ومبارك للفنون سنة 2003.

الموسيقى في التاريخ الإسلامي

تركت سمحة إرثًا كبيرًا جاء على رأسه بحثها الأهم الذي حصلت به على درجة الدكتوراه تحت عنوان “وظيفة الموسيقى في الحارة الإسلامية حتى سنة 1100″، ونشرته فيما بعد الهيئة المصرية للكتاب، ويوضح البحث مدى تأثير النشأة الدينية في مؤلفاتها، تقول سمحة: كتبت في المقدمة إنني اشتغل على الموسيقى العربية لكي أعرف وضع هذه الموسيقى في الحضارة التي خرجنا منها.

وتسترسل: “كان للنشأة منذ البداية أكبر الأثر في تشكيل وعيي وثقافتي.. عندما انتهيت من المدرسة الثانوية “الثقافية النسوية” وجلست في البيت، قضيت سنتين أقرأ في الأدب الإنجليزي فقد كنت أنتهز فرصة اشتراك أبي وأخوتي في مكتبة جامعة القاهرة في استعارة الكتب، فقرأت كل كتب “تشارلز ديكنز” دون ملل. وكانت مشكلة حياتي مع عائلتي “عنيكي حتتعب. بطلي قراية”، فأنا كنت ساعات أقرأ وأنا نائمة أو “عينيكي هتحول”، كنت ساعات اقرأ في الحر الشديد في الصيف أملأ البانيو وآخذ كتاب مثلاً 800 صفحة أقرأ فيه ساعة.. كان عندي ولع بالقراءة شديد، وتعددت مساحات القراءة فبدأت اقرأ لشعراء المهجر”.

“كنت أحاول في رسالة الدكتوراه التعرض لبعض المفاهيم الخاطئة التي تقول إن المسلمين لم يقدموا جديدًا في الموسيقى، وهذا غير صحيح وهذا الإدعاء يقال أيضًا في الفلسفة، فيقال إن الفلسفة الإسلامية مجرد بناء فوق الفلسفة الإغريقية، وهذا غير صحيح لأن الدين الإسلامي لون الفكر الفلسفي الإسلامي بتفكير مختلف تمامًا عن الإغريقي.. كما أن التوجه الديني غير الفكر الفلسفي تمامًا، نفس الشيء في الموسيقى.. المفكرون في الموسيقى كثيرون وبعضهم خرج من تحت عباءة الإغريق مثل الكندي وقد قسمتهم: الأول “historians” وهم الذين يكتبون كتابات أدبية مثل الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني. الثاني كتابات الـ”theoretical”، والفلاسفة الذين كتبوا عن الموسيقى.

 

تدرج في المناصب

تدرجت سمحة في الوظائف العلمية حتى وظيفة أستاذة للتاريخ والتحليل الموسيقي “الموزيكولوجيا” سنة 1968، وعينت عميدة للكونسرفاتوار من 1972 حتى 1981، انشأت خلالها كوارلًا للأطفال في عام 1974، وكورال الشباب لآداء الموسيقى المصرية التراثية، وأول أوركسترا مصري سنة 1975، وامتد نشاطها لدول متعددة في أوروبا وكذلك أمريكا وكندا لمدة 9 سنوات، لتلعب دور هام في الحياة الثقافية المصرية خاصة بعد تعثر أوركسترا القاهرة السيمفوني بعد حريق الأوبرا. كما أشرفت على فرقة الأوبرا من 1972 وحتى 1979، وفي عام 1982 عينت رئيسة لأكاديمية الفنون لمدة 3 سنوات، ونظمت مهرجانًا دوليًا للفنون ومؤتمرًا حول الهوية المصرية في الفنون 1984.

وتولت سمحة الخولي منصب خبيرة للموسيقى بمؤسسة المسرح، ومستشارة للموسيقى لوزير الثقافة، وأستاذة زائرة بجامعة جنوب فلوريدا في الولايات المتحدة من 1987 إلى 1989، ومحاضرة في عدة دول عربية وأجنبية، وشاركت في عضوية عدد كبير من الهيئات والمجالس، أبرزها المجلس الأعلى للثقافة ومجلس إدارة الأوبرا المصرية ومقررة لجنة الموسيقى والأوبرا والباليه من 1999 حتى 2002، وعضو اللجنة العليا لجوائز الإبداع الفني، ومستشارة الموسيقى بجامعة الدول العربية، وعضو بلجنة التفرغ بوزارة الثقافة.

معهد موسيقى للكفيفات

وأسست سمحة الخولي معهد موسيقى جمعية النور والأمل للكفيفات عام 1960، وأوركسترا النور والأمل للكفيفات، وساهمت في ترجمة العديد من الكتب الخاصة بمجال الموسيقي لتحدث طفرة في الترجمة.

كما قامت بمراجعة كتاب “واحة سيوة وموسيقاها”، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة سنة 1977، وهي أول رسالة علمية عن الموسيقى الشعبية المصرية”، وكتبت له مقدمة علمية طويلة عن دراسات ووسائل البحثفي الأثنوموزيكولوجيا وأساليبها، كما كان لها العديد من الأبحاث من أهمها: “التربية الموسيقية” وقد نال الجائزة الأولى لوزارة التعليم سنة 1985، وكتاب “الموسيقى والحضارة”، و”الموسيقى الأوروبية في القرن السابع والثامن عشر”، و”القومية في موسيقى القرن العشرين” نشر عالم المعرفة بالكويت، “كتاب من حياتي” نشر دار الشروق عام 2002، وأشرفت على تحرير الكتاب التذكاري لجمال عبدالرحيم الذي أصدرته هيئة فولبرايت الأمريكية المصرية 1993 بالإنجليزية، ولها فيه 3 دراسات كبيرة وصدرت ترجمته العربية الموسعة عن المجلس الأعلى للثقافة 2002.

الموسيقى في المدارس

تزوجت الخولي من الموسيقي الكبير جمال عبدالرحيم، وتوفيت في 2006، وقالت عن مشوارها في الموسيقى: “أنا والحمد لله راضية عما أنجزته في حياتي عدا شيء واحد، وهو أني لم أستطع أن أغير وضع التربية الموسيقية في المدارس. كنت أتمنى أن أجعل الموسيقى تدخل قلوب الأطفال المصريين، حاولت في جميع الجهات العلمية وجميع المستويات الخاصة باللجان والمجالس ولمدة 40 سنة ولكن بلا فائدة، والآن التيار بقى أقوى، يكفي ما يقدمه التلفزيون ومستوى أغاني الأطفال والرقص والحركات التي يقدمها الأطفال على شاشة التلفزيون”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى