خبيرة في التراث تتحدث لـ “صوت القبائل” عن شيخ الحارة في القاهرة العثمانية
خضعت الحارات في القاهرة العثمانية لسلطة شيخ الحارة، وكان يعاون كلاً منهم نقيب أو أكثر كما توضح وثائق الأرشيف. وهذه البنية تطابق نفس بنية الطوائف الحرفية، ويمكن أن نفترض أن الحارة كانت بنية موازية لبنية الطائفة، إحداهما تقوم على الحرفة والأخرى تقوم على مقر السكن. وهما متكاملتان كما يبين ذلك بجلاء توزيع الحارات على خريطة القاهرة.
لم يكن إذن ثمة انفصال بين النظامين، بل لقد كان هناك تكامل بينهما. فكان من الممكن أن يكون شيخ الحارة – أحياناً – هو نفسه شيخ الطائفة المسيطرة في الحي تلك. مثلاً هي حال حجاج محمد شيخ البرادعية الذي كان في نفس الوقت – عام 1777- شيخاً لحارة الدراسة. وحال حجاج موسى عام 1798 حين كان شيخاً لطائفة النجارين وشيخاً لحارة الحبالة في نفس الوقت.
وليس لدينا من المعلومات ما يجعلنا نعرف على وجه الدقة طبيعة الدور الذي كان يقوم به مشايخ الحارات.
مهمة شيخ الحارة أثناء الاحتلال الفرنسي
ومن جهتها، تقول علياء داود، الخبيرة في التراث، أن شيوخ الحارات أثناء الاحتلال الفرنسي، دعوت إلى المساهمة الفعالة في حفظ النظام. وتلك هي المهمة التي أوكلها إليهم نابليون عام 1799 حين غادر القاهرة للقيام بحملته على سوريا. وهذا ما يتفق مع الالتزامات التي نفذها المشايخ منذ قيامهم بإحصاء النفوس في 31 أكتوبر 1798. ومنذ ذلك الحين أصبحوا بمثابة ضامنين للأهالي من أبناء أحيائهم ومسئولين عن أي اضطراب قد ينشأ فها.
وتابعت داود: “عندما فكر الفرنسيون في عمل إحصاء للمولودين والمتوفين. أوكلوا هذه المهمة على مشايخ الحارات، تعاونهم في ذلك القابلات واللحادين. هذا عن دورهم وقت الحملة الفرنسية، لكن المعلومات التي لدينا عن القرنين السابع عشر والثامن عشر لا تسمح لنا إلا ببعض الافتراضات عن وظيفة شيوخ الحارات”.
دور شيوخ الحارات
وأضافت داود: “يمكن الافتراض أن دورهم كان يماثل- بلا شك- التزامات رجل الشرطة من حفظ النظام ومراقبة العناصر المشبوهة أو “الغريبة”. وبحكم اتصالهم المباشر بالأهالي فقد كانوا في مكان يسمح لهم أن يلعبوا دوراً إداريا. وهكذا فقد كانوا يدعون للاشتراك في تصفية تركات “الخاضعين لإدارتهم”. وفي مقابل ذلك كانوا يحصلون على عوائد، (أو خدمة) تعادل 2 أو 3% من مجموع التركة”.
وأشارت إلى أن مشايخ الحارات كانوا واسطة اتصال بين السلطة والرعايا. وهو نفس الدور الذي كان يلعبه شيوخ الطوائف الحرفية. ويجب أن ننظر إليهم في هذا الخصوص- بلا شك- كأعيان وممثلين لأحيائهم أكثر من اعتبارهم مجرد أناس قائمين “بدور إداري”.
وأوضحت، أن هذه البنيات لم تتحدد ولم ينظمها سلم إداري إلا في القرن السادس عشر. وكانت هذه الأحياء في النهاية – كمقر مزدحم بالسكان- تعبر عن نفسها بمظاهرات دينية وجماعية. ولا يمكن اعتبارها بحال أقساماً إدارية بالمعنى الصحيح للكلمة. وسوف يكون من العبث في هذا المجال البحث عن شكل ولو ضئيلاً لإدارة ذاتية حضرية (لها اهتمام بالمرافق والبلديات) على نحو ما.