كتب: محمود الشوربجي
كان لأهالي سيناء طرق مختلفة لتخزين مياه الأمطار الموسمية للاستفادة منها لكن أبرزها الهرابة.. فما هي الهرابة؟
“الهرابة” هي بركة صناعية يحفرونها في مجرى السيل لتخزين مياه الأمطار ، ويبلغ عمقها من ثمانية إلى عشرة أمتار أو أكثر ، وفتحتها دائرية الشكل ملفوفة ومبنية من الحجارة الغشيمة أو الصوان ، وتتسع من جوانبها من جميع الاتجاهات لتصبح عريضة وعميقة ، ليتجمع فيها عشرات الأمتار المكعبة من الماء التي تكفي احتياج المزارعين طوال فصل الصيف .
أما مقياس عمق الهرابة فكانوا يقيسونها بقامة الإنسان (والقامة الواحدة تعادل 180 سنتيمترا تقريبا) ، فإذا ما قاموا بقياس عمق الهرابة قالوا هذه الهرابة عمقها أكثر من ثمانية قامات أي أربعة عشر متراً ونصف بالمفهوم أو الحساب الحالي .
هذا ويحفرون الهرابة في المناطق أو الأماكن المنخفضة لتنحدر إليها مياه الأمطار والسيول من الأعلى ، ويعدون لها قنوات صغيرة تسمح بدخول الماء اليها حتى مصرف الهرابة وتعرف لديهم بالقنَّى وبالعامية (جَنَا) ونطقها حرف الجيم عادي وليس معطَّش . وإذا ما قارب الصيف على الانتهاء تقل مياهها وتنحسر في الأطراف وتصبح قليلة وعكرة ليضطر المزارع أو المار أن يلوح بدلوه إلى مكان تجمع المياه ليمتليء ربع الدلو أو نصفه من المياه العكرة المخلوطة بطين رماديّ اللون . ويتجمع البعوص وبعض الحشرات الطائرة على سطح ماء الهرابة لتبيض وتفقس ديداناً حمراء رفيعة بطول حوالي سنتيمتراً واحداً ، وهناك حشرة طائرة حمراء اللون أيضاً تتجمع على سطح مياه الهرابة وتطير حولها كنا نطلق عليها حشرة الهليكوبتر وهو طائر صغير أحمر اللون وسريع الطيران يشبه في شكله طائرة الهليكوبتر . وكان المزارعين لهم طريقة في القضاء على البعوض حيث يسكبون كمية قليلة من (الكاز) داخل الهرابة لينفرد الكاز على سطح الماء فيقتل بيض البعوض ويقضي عليه تماماً ، ويظل رائحة الكاز فترة من الزمن ثم يزول.
هذا وكان لكل صاحب مزرعة من المواشي أو الأشجار بالقرب من مجرى السيل يحفر له هرابة خاصة به أو أكثر لكي يسقي منها لمواشيه وأغنامه ، وأيضاً لزراعاته. وهناك طرق أخرى لتخزين المياه سنذكرها تفصيلًا فيما بعد.