هل عرف الفراعنة النزلات المعوية والكساح والحصبة؟
دعاء رحيل
بدأ اهتمام الطبيب المصري القديم بصحة الطفل منذ ولادته، بداية من وضعية الولادة جلوس،ا والتي تعد طريقة آمنة لولادة الطفل، ثم بملاحظة الجنين لحظة خروجه إلى الحياة ورصد جميع وظائفه الحيوية، ومكافحة الأمراض المحتملة في سنواته الأولى مثل النزلات المعوية والكساح والحصبة.
طب الأطفال الوقائي
يشير الدكتور حسن كمال في كتابه “الطب المصري القديم”، إلى أن الطبيب المصري القديم لاحظ تعدد حالات الوفاة بين المواليد الجدد، وأرجع السبب في ذلك لانتشار عدد من الأمراض بين المواليد الجدد بعضها فرضتها ظروف البيئة والمناخ مثل أمراض الالتهاب الرئوي في فصل الشتاء أو النزلات المعوية والمعدية صيفا، أو أمراض اجتماعية مثل الدرن والكساح، كما لاحظ المصري القديم أن تكاثر الذباب بفعل البيئة غير الصحية من تراكم للقمامة وروث البهائم وضيق الطرق، يؤدي إلى انتقال العدوى في معظم الأمراض، مثل الرمد والنزلات المعوية.
ويلفت كمال إلى أن المصري القديم أدرك أن عليه أن يقضي على عوامل تكاثر الذباب؛ من خلال الاعتناء بالصحة البيئية؛ بإزالة القمامة وتوسيع الطرقات والتي سمحت بدخول الشمس إلى داخل المنازل، كل ذلك أدى إلى ارتفاع الوعي الصحي لدى المواطن، مما قلل من ظهور بعض الأمراض لدى الأطفال حديثي الولادة.
ولادة آمنة
وحسب ما سجلته لوحة الولادة بالمتحف المصري، حاول الطبيب المصري أن يضمن ولادة آمنة للأم والجنين؛ من خلال جلوس المرأة في وضعية القرفصاء على كرسي الولادة، واحتاط الطبيب المصري في حالات تعسر الولادة، بإعداد بعض الوصفات التي تسهل عملية المخاض، حيث يشير برنوا اليو في كتابه “الطب في زمن الفراعنة” إلى أنه من الوصفات التي كان يعدها الطبيب المصري لتسهيل المخاض، إعداد محلول من الملح البحري والقمح النشوي تتناوله الأم ليحفز لديها عملية المخاض، كما يشير إلى الإجراءات الأولية التي كان يتبعها الطبيب عند خروج المولود، والتي تتمثل في غسل الرضيع وتجفيفه ووضعه في سرير من قوالب الطين، ومراقبته جيدا في الساعات الأولى من الولادة للتأكد من مقاومته لعوامل الطبيعة وانتظام وظائفه الحيوية.
الرعاية الأولية
يلفت حسن كمال، في كتابه، إلى أن إجراءات الرعاية الأولية للطفل كانت تتمثل في التأكد من قدرة الأم على الإرضاع وجودة اللبن وكثافته، وقدرة الطفل على التقام ثدي أمه، وإبعاد الطفل عن الذباب والبعوض والتشديد على إرضاع الطفل بشكل مستمر، معتقدين أن لبن الأم يحتوي على مضادات حيوية تعزز من مقاومة الطفل للأمراض والأوبئة، ويواكب عملية إرضاع الطفل فحصه وملاحظة وظائفه بشكل دقيق، وحسب ما أورد برنوا اليو في كتابه “الطب في زمن الفراعنة”، كان هناك معايير لمعرفة ما أذا كان الطفل سيعيش أم سيموت، أول المعايير كان بكاء الطفل، فإذا كان الصوت صراخا، كانت تلك علامة جيدة أما إذا كان بكاء وأنينا، فربما دل ذلك على موته، وإذا كان وجه الطفل متجها لأعلى دل على حياته أما إذا كان وجهه متجها للأرض دل على موته.
كما يشير إلى علامة أخرى اعتبرها الطبيب المصري علامة لرفض الطفل للحياة وهي تقيؤه للمشيمة، حيث كان الطبيب يعد خليطا من لبن الأم مع بعض من سائل المشيمة ويسقى للطفل، فإذا ابتلعه دل على حياته، أما إذا تقيأه دل ذلك على موته.
الرضاعة
“ليحمي كل إله اسمك، وكل مكان توجد فيه، وكل لبن تشربه، وكل ثدي ترضعه”.. كان هذا جزء من صلوات أم لابنها الرضيع، وحسب ما أورد اليو أن الأم كانت تعاني من قلق أن يكون لبنها ضارا للطفل وتدعو الآلهة أن تحمي الثدي واللبن حتى يعيش ابنها، ويعتقد اليو أن سنوات الرضاعة كانت ثلاث سنوات وطيلة تلك الفترة كان الرضيع مربوطا إلى رقبة الأم، ملتقما ثديها ويبرهن على ذلك بتعدد مشاهد الإرضاع في المعابد والمقابر القديمة، كما يلمح إلى لجوء الأسر الملكية والنبلاء إلى تأجير مرضعات لأبنائهم.
ويشير اليو إلى أنه كان من المهم ضمان استمرار تدفق اللبن وإدراره من خلال وصفات سحرية تعلق على رقبة الأم أو بتحضير دهانات من أشياء طبيعية يدهن بها ثدي الأم لزيادة إدرا ر اللبن، وأحيانا كانت تطعم المرأة خليطا من خبز الشعير التالف مع بعض الأعشاب لنفس الغرض، كما يلفت اليو إلى أن القدماء كانوا متشددين في رقابة جودة اللبن لمعرفتهم بأنه ناقل محتمل للأمراض، وكان يتم اختبار اللبن من خلال فحص رائحته، فإذا كانت رائحته تشبه رائحة نبات السعد “الريحان” كان صالحا، أما إذا كانت مثل نتانة السمك كان فاسدا.
كما يشير اليو إلى أن الطبيب المصري لاحظ أن إصابة الأم بأمراض في الثدي مثل التشققات والجروح والالتهابات، تكون سببا في رفض الطفل الرضاعة وأحيانا تنقل أمراضا للطفل لذا لجأ إلى معالجة الأم لضمان حياة الرضيع.
أمراض الأطفال
ويسوق اليو بعض أمراض الأطفال التي كانت شائعة في زمن الفراعنة، وكيف شخصها الطبيب المصري ووصف لها العلاج، ومن أبرزها:
“التبول في السرير أو سلس البول” وكان تتم معالجته بتحضير خليط مسحوق حجر التيجيهنت الكريم ومسحوق الخزف، حيث يتم غليهما، ثم يشكلا مثل الكرة ليمضغها الطفل الكبير، أو أن تهرس في لبن الرضيع، ويأخذ العلاج لمدة أربعة أيام متوالية.
و”لعلاج عسر التبول” لدى الأطفال يحضر ورق بردي مستعمل وغليه مع الزيت، ليدهن به بطن الطفل، ويعتقد اليو أن هذه الوصفة كانت عبارة عن محفز ميكانيكي للمثانة.
ولعلاج “آلام التسنين لدى الأطفال”، كان يتم تحضير مسحوق عظام الفئران، كدهان ويدهن به داخل فم الطفل لتهدئة آلامه , ويدلل اليو على صحة تلك الوصفة بأنه وجد آثار لعظام فئران في أمعاء أطفال دفنوا في مقبرة في فترة ما قبل الأسرات (3100 ق.م).
“التهاب الأذن الوسطى”، اعتبره الطبيب المصري طبقا لكتاب اليو “طب الفراعنة”، فرعا من فروع طب السبع فتحات “المنخارين والأذنين والفم والعينين”، وحدد مرحلتين من التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال، المرحلة الأولية، التهاب بسيط يؤدي إلى ثقل الأذن وكانت تتم معالجته باستخدام المواد المطهرة الموجودة في الكرفس وهي مادة التبرنتين، المرحلة الثانية التهاب مزمن يصاحبه تقيح في الأذن، ويعالج بتحضير خليط زبل التمساح وبيض الضفادع أو حراشف السلحفاة، ويستخدم كمطهر للأذن.
“البرد والزكام”، وكان يتم تحضير أدوية لإزالة احتقان الأنف، منها وصفة مكونة من خليط الرصاص الخام والخشب المنتن واللبان الجاف والعسل وتنقط في الأنف، أو بعمل نقط في الأنف من عرق البلح.
“الحصبة”، يذكر اليو في كتابه “طب الفراعنة”، أن إحدى البرديات الطبية ذكرت مرضا غريبا يصيب الأطفال عبارة عن طفح جلدي في جميع أنحاء الجسد، أرجعه المصريون إلى تأثير مادة غامضة، يجب مكافحتها، لافتا إلى أن الطبيب المصري القديم حضر بعض المواد الطبيعية لاستخدامها كدهان ملطف لآثار الحكة والطفح الجلدي، ومنها فحم السنديان وسائل الدقيق وقمح نشوي وملح بحري، يخلطوا ويطبخوا جيدا ثم يدهن به الجسم، أو بتحضير بذور الخروع والبازلاء والبلح والعسل ويستخدم مثل الوصفة السابقة.