تعرف على مدينة أسوان…«ساون» الفرعونية قديما
تعرف على مدينة أسوان…«ساون» الفرعونية قديما
مدينة مصرية قديمة في صعيد مصر اسمها الفرعوني «ساون» أو «سونو» أو «سونيت» معناه السوق أو محل التجارة واسمها القبطي «ساوان»، واللاتيني «سيين» Syene، وقد وردت في بعض المراجع التاريخية باسم سوان وثغر أسوان المحروسة، ذكرها المقدسي في «أحسن التقاسيم» فقال: أسوان قصبة في الصعيد على نهر النيل، وذكرها الإدريسي في «نزهة المشتاق» فقال: أسوان آخر بلاد الصعيد الأعلى وهي مدينة صغيرة عامرة ووردت في «معجم البلدان» أسوان بلد في آخر الصعيد بمصر. وأقيمت على الضفة اليمنى (الشرقية) من النهر بمواجهة جزيرة فيلة.
تقع على خط عرض 24 درجة وخمس دقائق شمالاً، وخط طول 32 درجة و56 دقيقة شرقاً، وتبعد عن القاهرة 899كم جنوباً، وهي من أجمل مشاتي العالم، وقد كان لموقعها عند الجندل الأول لنهر النيل دور كبير في وجودها، وكانت معبراً دولياً بين مصر وبلاد النوبة في الجنوب. فرض عليها موقعها نوعين من الكفاح، كفاحاً عسكرياً سياسياً مع بلاد النوبة في الجنوب، وآخر دينياً إذ كانت ملجأ أميناً يحتمي فيه كل من أراد أن ينجو بعقيدته السماوية من جور الوثنيين من الرومان.
وعلى الرغم من أهمية أسوان عبر العصور فإن تاريخها لم يصل مفصلاً مبسوطاً، ولكنه يفيد بأن المصريين القدماء عدّوا مقاطعة أسوان أقصى المقاطعات المصرية من جهة الجنوب. ويذكر أحد النصوص أن الملك زوسر (2700ق.م) من الأسرة الفرعونية الثالثة وقف المدينة للإله خنوم الذي أنقذ السكان من المجاعة بنعمة فيضان النيل. ثم تزايدت أهمية هذا الإقليم في أيام الأسرة السادسة (2345-2181ق.م) عندما أقام فيها الفراعنة حامية لمواجهة هجمات النوبيين.
أما في زمن الدولة الوسطى (بين القرنين العشرين والثامن عشر ق.م) فقد أقام الأمراء حكام الجنوب لأنفسهم مقابر محفورة في الصخر، كمقابر منطقة بني حسن، لكنها أكثر فخامة. وما تزال من آثار ذلك العصر بعض بقايا معبد الثالوث الإقليمي: خنوم وساتِت وأنوكِت، وعدد من المصليات نذرت لنفس الوزير إيزي. وتوجد كتل صخرية تحمل اسم خراطيش (ج. خرطوشة وهي الإطار الذي يحيط بالاسم الملكي في الكتابة المصرية القديمة) نقشت عليها أسماء عدد من الفراعنة ذكر أنهم أمروا بتشييد معابد لم يبق منها اليوم أي أثر.
وقد عاشت في أسوان وما حولها جالية آرامية كبيرة قدمت من سورية وفلسطين وأقامت مابين القرنين السادس والرابع ق.م، وتملكت منازل وبنت معابد لآلهتها، وخلفت وراءها كميات كبيرة من الوثائق المكتوبة على ملفات من البردي، وهي تضم رسائل وتقارير وعقوداً قانونية.
وقد احتفظ البطالمة بالتقسيم الإداري الفرعوني. وكان لـ”أسوان “في العصر الروماني والبيزنطي أهمية كبيرة لدى الجغرافيين الفلكيين العاملين في مصر، عندما جعلوا خط الطول (الهاجرة) المار بها أساساً لحساب الدرجة خط المدار الشمالي في العروض الجغرافية واحتفظت بموقعها الاستراتيجي في العصر الروماني فأقيمت فيها حامية قوية كانت مهمتها مراقبة حدود مصر الجنوبية.
ومنذ عام 1967 تقوم بعثة أثرية ألمانية بالتنقيب في مقبرة «قبة الهوا» الواقعة على الضفة اليسرى لنهر النيل مقابل أسوان. وقد تم فتح عدد من القبور بينها قبر فتح عام 1975 فوجد تاماً لم يسبق مسّه من قبل، وهو قبر لطفل عمره من ست سنوات إلى سبع مسجى بأكفانه ضمن توابيت خشبية ومعه أدواته المصنوعة من حجر الألباتر (وهو الهيصم) والفخاريات وأشياء أخرى بينها مرآة وعقود من اللؤلؤ وجعرانات (جعلان مقدسة لدى قدماء المصريين اتخذت رمزاً للحياة) وملعقتان لكل منهما ساعد مصنوع على صورة فتاة تمد يديها لتقدم بهما نهاية الملعقة. وعثر في قبر آخر على إناء كريتي مينوي (1750ق.م).
وتقوم حول أسوان مقالع الحجر الرملي الذي استخدم في أعمال البناء في كل أدوار تاريخ مصر القديم. وقد عثر على مقربة من هذه المقالع على مسلة حجرية لم تنجز وعلى ناووس حجري وغيرهما من مشروعات الأعمال التي كانت تنفذ في هذه المقالع القديمة.
وعندما دخل العرب مصر أبقوا في أول عهدهم على التقسيم الإداري البيزنطي الذي وجدوه، وأطلقوا على أسقفية طيبة اسم «الصعيد» وجعلوا أسوان حاضرة لها. وكانت في العصر الإسلامي، حتى نهاية دولة المماليك، من ثغور كورة القوصية. ولا يكاد يعرف شيء يذكر عن تاريخها في العصر الأيوبي سوى كونها مركز ثورات النوبة، وفي العصر العثماني أصبحت ثغراً لولاية جرجا. وضمت أسوان إلى مديرية أسنا أيام حكم محمد علي، وفي سنة 1888 أصبحت قاعدة لمديرية الحدود، وفي سنة 1900 جعل اسم المديرية أسوان واستمرت حتى عام 1960 حين أصبحت مركز محافظة.
تمتد أصول سكان أسوان إلى المصريين القدماء، كما سكنها أيضاً أقوام من العرب جاؤوا إليها في مراحل متعاقبة ومنهم قبائل من اليمن ونزار وربيعة ومضر وغيرهم وكانت محطة لحجاج بيت الله الحرام. ولقد مرَّ نمو المدينة وإعمارها بمراحل انعكست على كيانها البشري، فقد كانت سوقاً تجاريةً مرموقةً ومركز جذب سكاني ثم تحولت إلى قرية متخلفة مهملة، هجرها أهلها لطلب الرزق، وقد أدى بناء سد أسوان في سنة 1902 وما أعقبه من تعليات لهذا السد إلى طغيان المياه على أشرطة الأرض الزراعية الضيقة، واستعادت أهميتها مرة ثانية بعد إنشاء السد العالي عام 1970 إذ تحولت إلى مدينة تتوافر فيها فرص العمل والخدمات فهاجر إليها الكثيرون من محافظات أخرى، واتسعت وامتدت على ضفتي نهر النيل بشكل شريطي تجتازه الشوارع المتوازية المتقاطعة، وتستقطب الضفة الشرقية فيها الأحياء السكنية والفنادق والمراكز الإدارية والخدمات. وقد أصبحت المدينة مركزاً من مراكز الجذب السكاني وارتفع عدد سكانها إلى نحو 190.000 نسمة (1995). وقد بدأ تنفيذ أهم مشروع عمراني فيها بعد السد العالي لزيادة الرقعة السكنية ونقل ميناء أسوان النهري إلى خارجها، فأدى ذلك إلى تغيير مخطط المدينة.
وظائف مدينة أسوان متعددة تجمع بين التجارة والصناعة والخدمات، فهي مركز المحافظة الإداري والتجاري والتعليمي بجميع مراحله. أسست فيها جامعة أسوان وغيرها من مؤسسات علمية، كما أنشئ فيها مستشفى أسوان العام وتوسعت شبكة المواصلات بين المدينة وظهيرها وتحسنت خدمات السكك الحديدية. ولها وظيفة صناعية، وأهم صناعاتها هي الغذائية والكيمياوية وصناعة الرخام والغرانيت الوردي اللون، إلا أن أهم وظائفها السياحة لغناها بالآثار من شتى العهود كمعبد فيلة وآثارها ومقابر النبلاء ودير الأنبا هيدرا، ويرجع إلى القرن الخامس الميلادي. أما آثار العصر الإسلامي فيخترقها الشارع الرئيسي المؤدي إلى خزان أسوان، وجبانة العناني وترجع إلى العصر الفاطمي، ومآذن بلال وتقع بمنطقة الشلال جنوبي أسوان، وفيها مقبرة آغا خان الثالث الرئيس الديني لطائفة الإسماعيلية (ت 1957). وقد أنشئ حول المدينة عدد من القرى السياحية كقرية أبو سمبل[ر] وقرية آمون السياحية وغيرهما.
وكذلك جزيرة النباتات التي تقع وسط نهر النيل وفيها أكثر من 800 نوع من النخيل وتضم مجموعة من النباتات الاقتصادية، وتستغل محطةَ تجارب لأقلمة النباتات الخاصة بالمنطقة الاستوائية.