تاريخ ومزارات

نظام الملك.. ورعاية العلماء والزهاد

أسماء صبحي

يعتبر نِظَامِ الْمُلْكِ واحدًا من أعظم الوزراء في تاريخ الإسلام. إن لم يكن أعظمهم إذا استثنينا عهد النبوة والخلافة الراشدة. هو أبو علي الحسن بن علي الطوسي، ولد سنة 408هـ – 1017م، في طوس بنيسابور.

نشأ يتيم الأم فقد ماتت أمه وهو رضيع، وفرَّغه أبوه للعلم، فقرأ القرآن وله إحدى عشرة سنة. وتعلم علوم القرآن والفقه وسماع الحديث والنحو والعربية والحساب، ونبغ فيها كلها.

من هو نظام الملك

هو وزير من وزراء الدولة السلجوقية العظيمة (القرون الخامس والسادس والسابع الهجرية). وَزَرَ لألب أرسلان عندما كان واليًا على خراسان ثم سلطانًا للسلاجقة 10 سنوات. ثم لابنه ملكشاه (عشرين سنة) المجموع 30 سنة،
وهو أحد أسباب عظمة الدولة السلجوقية. وأحد أسباب صبغها بالصبغة الإسلامية.

كان من الشخصيات الشاملة التي أبدعت في مجالات عدَّة، كالإدارة. وله كتاب سياسة نامة، والحرب وخططها، وجوانب النهضة المختلفة كالمعمار والعلوم، والعلم الشرعي، والزهد والورع، والأخلاق الحميدة.

أعظم أعمال نظام الملك

من أعظم أعمال نظام الملك تأسيسه لسلسلةٍ من المدارس في دولة السَّلاجقة نسِبَت إليه فعرفت “بالمدارس النظاميَّة”. واستجلب لها كبار العلماء للتَّدريس فيها، على غرار شيخ الشَّافعيَّة أبي إسحاق الشيرازي، والعلَّامة المجدِّد أبي حامد الغزالي. وكان يهدف من وراء هذه المدارس إحياء السنَّة، والقيام بنهضةٍ علميَّةٍ تعود بالمسلمين إلى عصور الإسلام الأولى. حين كانت الشَّريعة هي الباعث الأساس لحركة المسلمين وحياتهم. أنشئت أوَّل المدارس النِّظاميَّة في بغداد عام 457 هجرية، وبعدها تتابعت المدارس في بقيَّة مدن الدَّولة السَّلجوقيَّة.

لم يكن من أوائل الشام وهي بيت المقدس إلى سائر الشام الأعلى وديار بكر والعراقين. وخراسان بأقطارها إلى سمرقند من وراء نهر جيحون مسيرة زهاء مائة يوم. حامل علم أو طالبه أو زاهد أو متعبد في زاويته إلا وكرامته شاملة له سابغة عليه.

موقف مؤثر

كان الذي يخرج من بيوت أمواله في هذه الأبواب ستمائة ألف دينار في كل سنة. فوشى به الوشاة إلى أبي الفتح الملك (ملك شاه) وأوغلوا صدره عليه. وقالوا: إن هذا المال المخرج من بيوت الأموال يقام به جيش يركز رايته في سور قسطنطينية.

خامر ذلك قلب أبي الفتح الملك، فلما دخل عليه قال: “يا أبت بلغني أنك تخرج من بيوت الأموال كل سنة ستمائة ألف دينار إلى من لا ينفعنا ولا يغني عنا”.

بكى ‌نظام ‌الملك وقال: “يا بني أنا شيخ أعجمي لو نودي عليَّ فيمن يزيد لم أحفظ خمسة ‌دنانير. وأنت غلام تركي لو نودي عليك عساك تحفظ ‌ثلاثين ‌ديناراً وأنت مشتغل بلذاتك ومنهمك في شهواتك. وأكثر ما يصعد إلى الله معاصيك دون طاعتك، وجيوشك الذين تعدهم للنوائب إذا احتشدوا كافحوا عنك بسيوف طولها ذراعان. وقوس لا ينتهي مدى مرماه ثلاثمائة ذراع، وهم مع ذلك مستغرقون في المعاصي والخمور والملاهي والمزمار والطنبور (تشبه العود، وهي السمسمية). وأنا أقمت لك جيشاً يسمى جيش الليل إذا نامت جيوشك ليلاً قامت جيوش الليل على أقدامهم صفوفاً بين يدي ربهم. فأرسلوا دموعَهم، وأطلقوا بالدعاء ألسنتهم، ومَدوا إلى الله أكفهم بالدعاء لك ولجيوشك. فأنت وجيوشك في خفارتهم تعيشون، وبدعائهم تثبتون، وببركتهم تمطرون وترزقون. تَخْرِق سهامهم إلى السماء السابعة بالدعاء والتضرع”. فبكى أبو الفتح الملك بكاء شديداً ثم قال: “يا أبت أكثر لي من هذا الجيش”.

ومات نظام الملك شهيدًا على يد الباطنية الإسماعيلية الشيعة 10 رمضان 485 هجرية، وعمره 77 عامًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى