تاريخ صناعة الأختام وتطورها.. من النحت على المعدن إلى البصمة الالكترونية
أميرة جادو
عرفت الأختام منذ آلاف السنين، حيث تعتبر موثوقية الأوراق ومعرفة مصدرها أو الجهة المنسوبة إليها؛ من الأمور الهامة والضرورية التي تجعل لأي مستند كان المصداقية والقيمة، ومع توسع الدولة الإسلامية شرقاً وغرباً؛ كان من الضروري صنع الأختام، حيث كانت وسيلة للتصديق على الأوامر والقرارات التي يلجأ لها الملوك والقادة والوزراء وغيرهم من كبار القوم.
تاريخ صناعة الأختام
وقد تطورت الأختام واختلفت من عصر إلى عصر, ففي العصور القديمة كانت عبارة عن قطع منحوتة من الحجر أو المعادن, يرسم عليها صورة الملك أو الشخص الخاص به الختم, أو يكتفي برمز ما أو عدة حروف, أو ينحت اسمه كاملا على الختم مع العبارات التي يريدها, وهذا غالبا ما كانت عليه الأختام في العصور الوسيطة أو قريبة العهد من هذا العصر، وغالباً ما كان قالب الختم يصنع من مادة صلبة قادرة على تحمل الضغط، حيث كانت تصنع من المعادن أو من الأحجار الكريمة، ويتم تركيبها ضمن حلقة تناسب مقاسها، وقد تجدها ضمن مجموعات المتاحف الخاصة.
أما في العصر الحديث، فقد تطورت الأختام إلى حد كبير, إلا أن هذا التطور لم يكن إلا في جودة النقوش ونوع الخامات التي تصنع منها, فبدلا من الحديد والنحاس وغيرها من المعادن التي كانت تستخدم لصناعة الأختام مما يجعلها ثقيلة الوزن ومرهقة للنقاشين الذين يقومون بصنعها – جاء المطاط ليكون البديل الأنسب للمعادن, لما يتمتع به من مرونة وخفة , ولذا فقد كان بديلا مثاليا لغيرة من الخامات .
وبتطور الأختام المطاطية واقتصرها على المنشآت والأعمال المكتبية المختلفة بقيت الأختام المعدنية المنقوشة تستخدم في صناعات أخرى متنوعة كتلك التي تقوم بختم منتجاتها الكرتونية كتصديق عليها أو شعار لها, ظل الكثير من الأشخاص يحملون هذه الأختام للتصديق على الوثائق وغيرها وخاصة من لا يجيدون التوقيع الكتابي, أو الأميين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة , بحيث يحمل كل منهم ختمه معه على شكل خاتم أو قلادة أينما ذهب .
وفي الوقت الحاضر، فقد اندثرت الأختام المعدنية, سواء تلك التي تستخدمها المصانع أو التي يحملها الناس معهم, فقد أضحت المصانع والمعامل الحديثة تستخدم بدلا عن هذه الأختام المعدنية ملصقات مطبوعة أو تستخدم الطباعة مباشرة على منتجاتها، أما الأفراد فقد استبدلوا أختامهم المعدنية بأخرى مطاطية صغيرة تأتي مدموجة غالبا في أ قلام مصنوعة خصيصا لتلك الغاية، وسواء كانت هذه الأختام نحاسية أو مطاطية فقد كانت في الأساس حرفة فنية ومهارة امتهنها الكثير من ذوي الموهبة والدقة في النحت أو عمل القوالب وكذلك الخطاطين الذين اعتبروها جزء من نشاطهم , وكانت إلى عهد قريب هناك الكثير من الورش المتخصصة في عمل الأختام, فإذا كانت معدنية فقد فحرفي المسكوكات المعدنية هم من يتولى صناعتها, اما إن كانت مطاطية فكثير من الخطاطين يجيدون عملها مستعينين بآلات بسيطة لهذا الغرض أو متعاونين مع المطابع التي لديها إمكانيات أكبر.
تاريخ صناعة الأختام في تركيا
كانت مهنة نقش وصناعة الأختام منتشرة للغاية في تركيا العثمانية، فكانت المهنة منظمة وضرورية، حيث تم عمل نقابة عمالية خاصة بصانعي الأختام وتعتبر أحد أكثر النقابات المهنية في الدولة صرامةً فكانت هذه النقابة تخضع بكل عمَّالها إلى قواعد عمل وممارسة صارمة، قواعد لا بد من الالتزام بها ليسمح للفرد بالعمل في هذه الحرفة؛ وكان السبب من هذا التشدد هو منع الاحتيال وتزوير الأختام، وفي الواقع لم تستمر نقابة الأختام بشكلها هذا طويلاً.
ففي بداية القرن الـ 17، أصبحت نقابة الاختام عبارة عن نقابات متفردة، نقابة خاصة بصانعي الأختام ذات النقوس على الأحجار الكريمة من العقيق أو حجر الجاد “اليشم” والأختام التي تنتج من هذه الأحجار تكون مخصَّصة للسلطان ومسؤولي الدولة؛ ونقابة أخرى خاصة بأختام المعان الثمينة من النحاس والفضة الذين أنتجوا الأختام الشخصية.
تطوَّر الأمر في أواخر القرن الثامن عشر، فنجد أن محترفين صناعة الأختام “شيوخ الكار” كانوا يقومون بوضع أحرف صغيرة أو نقوش على الختم، لتخبر أن هذا الختم قام بصناعته حرفي محدد يعرف من توقيعه، وبالتدقيق في المجموعة التي تمتلكها المكتبة البريطانية؛ سنجد ثلاثة من هذه الأختام موسومة بأحرف أولى أو نقوش خاصة بصانعيها، واثنين من هذه الأختام الموقعة هي أختام عثمانية، كما ستجد أن هذه التواقيع عبارة عن نقوش متناهية الصغر مقارنة مع النقش الخاص بالختم.