حوارات و تقارير
مع افتقاد روسيا حرية الرأي..كيف كسب زيلينسكي معركة الإعلام في أمريكا؟
دعاء رحيل
من المعروف إعلاميا أن روسيا تفتقد حرية الرأي في ظل هيمنة حكومة مباشرة عليها استغل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الفرص التي تتيحها هذه الحرية في الولايات المتحدة، للترويج لموقف بلاده في الحرب وللضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل دفعها إلى تبني سياسات أكثر تأييدا لكييف.
بينما حصلت أوكرانيا على العديد من الدعم العسكري والاستخباراتي والاقتصادي الأميركي، وأصبح دعمها من القضايا القليلة محل التوافق بين الجمهوريين والديمقراطيين، ويعود الفضل فيه لعدة عوامل، من بينها توجه زيلنيسكي المبكر والفعال للإعلام الأميركي.
وأصبح من المتداول بين الصحفيين الأميركيين التندر لبعضهم لبعض بالقول إنني أجريت أو سأجري حوارا مع الرئيس الأوكراني.
وعلى الرغم من الصعوبة النظرية لإجراء حوار مع رئيس دولة تتعرض لغزو عسكري ضخم من قوة عسكرية كبرى فإن كل شبكات الأخبار الأميركية الكبيرة والصحف الرئيسية أجرت حوارا أو أكثر مع الرئيس الأوكراني.
حوارات
وعلى مدار الأسابيع السبعة الأخيرة أجرى زيلينسكي حوارات مع صحف أميركية بارزة، مثل وول ستريت جورنال (The Wall Street Journal)، ونيويورك تايمز (The New York Times) وواشنطن بوست (The Washington Post)، إلا أنه أهتم أكثر باللقاءات التلفزيونية وأجرى لقاء أو أكثر مع العديد من شبكات الأخبار الشهيرة مثل “إيه بي سي” (ABC)، و”إن بي سي” (NBC)، و”سي بي إس” (CBS) وشبكتي “فوكس نيوز” (Fox News) و”سي إن إن” (CNN).
فيما ذكرت جانيت ستيل أستاذة الإعلام في جامعة جورج واشنطن أن “وسائل الإعلام الأميركية مفتونة بالرئيس الأوكراني زيلينسكي وبقصة حياته وسلوكه وإخلاصه، ويؤمن الإعلام بأن شجاعة زيلينسكي الشخصية الواضحة وشجاعته الجسدية في مواجهة التهديدات الهائلة هي أشياء أسطورية”.
وقبل أيام، أجرى الرئيس الأوكراني لقاء مطولا مع البرنامج الأهم بين مئات وربما الآلاف من البرامج الأميركية، وعند التحدث تلفزيونيا فلا أحد يزاحم برنامج “ستون دقيقة” الذي يبث مساء كل يوم أحد على مدار أكثر من نصف قرن على شاشة شبكة “سي بي إس”.
أجرى المقابلة مراسل برنامج “60 دقيقة” سكوت بيلي الذي سأل زيلينسكي “ما الذي يجب أن يفهمه العالم؟”، ورد بالقول “نحن ندافع عن قدرة الشخص على العيش في العالم الحديث، يقولون إننا ندافع عن القيم الغربية، وأقول دائما: ما هي القيم الغربية؟ شخص يعيش في الولايات المتحدة أو أوروبا، ألا يحب الأطفال أيضا؟ ألا يريدون أن يذهب أطفالهم إلى الجامعة، ألا يريدون أن يعيش جدهم لمدة 100 عام؟ لدينا نفس القيم، نحن ندافع عن الحق في العيش”.
وأضاف “لم أكن أعتقد أبدا أن هذا الحق سيكون مكلفا للغاية، يجب ألا تختار روسيا لنا ما يجب أن نفعله أو كيف أستخدم حقوقي، هذه الحقوق منحها الرب وأبناؤنا لنا”.
وعندما سأله بيلي عما إذا اتخذ قرارا بالتضحية بحياته من أجل بلاده إذا وصل الأمر إلى ذلك أجاب زيلينسكي قائلا “لا أريد أن أصبح بطلا، أنا أحب عائلتي، أريد أن أعيش سنوات عديدة أخرى، ولكن أن أختار بين الهروب أو الوجود مع شعبي، بالطبع أنا مستعد للتضحية بحياتي من أجل بلدي”.
وأدرك زيلينسكي أنه يتحدث إلى النخبة الأميركية النافذة، ومن هنا لم يتردد في التأكيد على مطالب بلاده من إدارة الرئيس جو بايدن، وجعل ملايين الأميركيين من المتعاطفين في أغلبهم مع أوكرانيا شهودا على ذلك.
وفي هذا الصدد لفتت أولغا لوتمان الخبيرة في الشؤون الروسية والأوكرانية ومقدمة برنامج بودكاست عنوانه “ملف الكرملين” إلى نجاح زيلينسكي الواسع في التعامل مع الإعلام الأميركي والعالمي قائلة “زيلينسكي يقوم بعمل جيد في نقل الرسالة مباشرة إلى الشعب الأميركي بدلا من الطريقة التقليدية التي يتعامل بها قادة الدول الأخرى من الاقتصار على التعامل مع نظرائهم”.
معركة إعلامية
وفي المقابل ، أكد البروفيسور ألكسندر ستيلا أستاذ الإعلام الدولي بجامعة كولومبيا أنه “من الطبيعي إلى حد ما أن يضطر زيلينسكي إلى خوض معركة إعلامية من أجل دعم أوكرانيا، لقد أدى الدعم الشعبي إلى تحويل النقاش في العديد من البلدان وليس فقط الولايات المتحدة، لقد غيرت الدول الأوروبية -التي تعتمد بشكل خاص على النفط الروسي مثل ألمانيا- مواقفها بشكل كبير منذ الغزو الروسي، وجزء من ذلك يرجع إلى الصور الرهيبة للدمار الذي رأته، ولكن جزءا منه هو أيضا موقف زيلينسكي العلني جدا من فكرة المقاومة، تذكر أن الكثير من الناس توقعوا منه الفرار من البلاد في الأيام الأولى للغزو”.
لكن جهود زيلينسكي للمطالبة بالتدخل المباشر وفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا أو مدها بطائرات مقاتلة نفاثة قد صادفها الفشل على الرغم من مطالبة العديد من الإعلاميين الأميركيين ممن تأثروا برؤية الرئيس الأوكراني وطالبوا بايدن بتلبية مطالبه.
خبرة الكوميدي
في أعقاب صعود زيلينسكي المفاجئ ليصبح واحدا من أكثر الأشخاص شهرة في العالم فوجئ العديد من الذين ليسوا على دراية خاصة بالثقافة الأوكرانية عندما علموا مدى شهرته في كل مكان كممثل وكوميدي قبل مسيرته المهنية في السياسة، وقد لعب زيلينسكي دور البطولة في العديد من الأفلام الكوميدية الرومانسية وقدم عددا من برامج الواقع والمسلسلات الكوميدية.
وأشار البروفيسور ستيلا إلى أنه من “الواضح أن خلفيه زيلينسكي كممثل وكوميدي ساعدته في معركته لتوصيل رسالة أوكرانيا بوضوح وبطريقة مبسطة ومباشرة، من الواضح أن الأوكرانيين متطورون للغاية من حيث كل من وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن دعونا لا ننسى: هذه ليست مجرد صورة وتمثيل، زيلينسكي وملايين الأوكرانيين الذين يقاومون الغزو الروسي يخاطرون بحياتهم للدفاع عن بلدهم، لا يمكنك تزييف ذلك”.
وفي هذا الإطار تعتقد البروفيسورة جانيت أن خلفية زيلينسكي لعبت دورا بارزا في المساهمة بإيصال رسائله للأميركيين، وذكرت أن “زيلينسكي هو أيضا ممثل ماهر ويستخدم قدرته على التواصل مع الجماهير للتحدث مباشرة إلى الشعب الأميركي، وبهذه الطريقة تمكن بالتأكيد من الضغط على الإدارة الأميركية، وبلا شك يستفيد زيلينكسي من خلفيته كممثل محترف له خبرة كبيرة على مخاطبة الجمهور وحشد الدعم لأوكرانيا، إنه يعرف كيفية استخدام اللغة وصوته وإيقاع كلماته لتحريك الجمهور”.
واسترجعت جانيت دور زيلينسكي في مسلسل “خادم الشعب”، إذ كان “إنسانا عاديا مثل غيره، مدرس تاريخ عادي أصبح رئيسا، وتوضح حياته ما قصده الشاعر والمحرر الإندونيسي العظيم جوناوان محمد عندما قال: لا يوجد أبطال، لا توجد سوى أعمال بطولية، زيلينسكي يبهرنا على وجه التحديد لأنه عادي جدا، وهو قادر في الوقت نفسه على القيام بهذه الأعمال البطولية، نعم، قد تكون ملابسه الزيتونية الداكنة وسلوكه الجسدي رمزا عالميا الآن لكنه يعكس بالأساس عملا بطوليا”.
وفي جانب آخر، أضافت الخبيرة أولغا لوتمان أنها تعتقد أن “امتلاك زيلينسكي الخبرة كونه شخصية إعلامية يساعده على أن يكون مرتبطا بالجمهور عند طلب المساعدة، لقد ساهم ذلك في إظهار الفظائع وإبقاء أوكرانيا على رأس الأخبار”.
وأكدت لوتمان أن نجاح زيلينسكي في “أسر الناس في جميع أنحاء العالم وجذب انتباههم إلى الفظائع التي تحدث في أوكرانيا ساهم بشدة في تشكيل الرأي العام المؤيد والمتعاطف مع حقوق الأوكرانيين والمعادي للغزو الروسي”.