تاريخ ومزارات

شيشنق الأول.. ملك حير الناس في حياته وبعد موته

أسماء صبحي
 
كان الملك شيشنق الأول أمازيغي، ولم يكن من الجزائر لكن مصري من أصول ليبيه، وجده الأكبر بويو واوا الليبي هاجر إلى مصر وأصبح مصري، وبعد خمسة أجيال تولى حكم مصر ولم يكن شيشناق أجنبي على مصر بل كان مصريًا من أصول ليبية.
 
شيشنق (شاشانق أو شيشاق أو شوشنق) (950 ـ 929 ق.م) ملك مصري ترجع أصوله إلى أسرة من مدينة إهناسيا، قدم مؤسسها بويو واوا الجد الخامس للملك شيشنق من إحدى واحات الصحراء الليبية ولذلك عرفت أسرته لدى المهتمين بالتاريخ المصري القديم باسم الأسرة الليبية، وقد دلت الوثاق التاريخية على أن أسرة “شيشنق” كانت تقطن مصر منذ ثلاثة عشر جيلاً في “أهناسيا” المدينة التي اتخذوها موطناً ومعقلاً لهم.

توليه العرش

تاريخ تولي “شيشنق” الملك لا يمكن معرفته على وجه التأكيد، ولكنه لابد قد وقع بعد عام 945 ق.م، وقد كشفت لنا اللوحة التي دون عليها “حور باسن” تاريخ أحد عجول أبيس عن تاريخ أسرة “شيشنق” ورسوخ قدمها في مصر منذ زمن طويل، وقد عرفنا منها ومن غيرها من النقوش ماكان لهذه الأسرة الليبية من نفوذ في أنحاء البلاد، وبخاصة من الوجهة الحربية والوجهة الدينية.
 
وتدل شواهد الأحوال على أنه قد تسلم مقاليد الحكم دون أية مقاومة، والظاهر أنه من طول إقامة الليبيين فى مصر أنهم تعودوا على تقاليد المصريين السياسية والدينية الموروثة من أقدم عهود التاريخ، والصحيح أنه وإن كان أصله البعيد يرجع إلى ليبيا، لكن أسرته تمصًرت منذ أن استوطنت مصر من عدة أجيال سابقة وسكنوا إهناسيا المدينة، وصاروا من المواطنيين، وتقلد كثير منهم مناصب الدولة، وأظهروا فيها إخلاصآ لوطنهم مصر.
 
فلا يصح القول بأن هذه أسرة ليبية وأن الليبيين حكموا مصر، بل الصحيح أنها أسرة مصرية اندمجت مع المواطنيين الأصليين فصارت منهم، شأنها في ذلك شأن بعض الأسرات المالكة.
 
ومن التجني على التاريخ أن يسمى وجود أفراد هذه الأسرة على عرش البلاد أنه استعمار ليبي، أو أن مصر فقدت استقلالها وأصبحت محكومة بغير أبنائها.
 

نسب الملك شيشنق

يرجع نسب الملك شيشنق إلى أسرة من مدينة إهناسيا، وحسب لوحة حور باسن المحفوظة الآن بمتحف اللوفر والتي أقامها حور باسن وذكر فيها أجداده، فإن نسب جده الثامن هو: شيشنق بن نمرود بن شيشنق بن باثوت بن نبنشي بن ماواساتا بن بويو واوا.
 
وكان جده الأعلى (بويو واوا) مستقرأً بإحدى واحات الصحراء الليبية في جنوب غرب مصر، ولذلك عرفت أسرته لدى المهتمين بالتاريخ المصري القديم باسم الأسرة الليبية، وكذلك ينتمي بويو واوا لقبيلة المشواش الليبية، أما ابنه ماواساتا فقد انتقل إلى العيش بمدينة أهناسيا وانخرط في صفوف الكهنة حتى صار كاهن معبد مدينة إهناسيا وقد خلفه ابنه نبنشي، الذي خلفه ابنه باثوت، الذي خلفه ابنه شيشنق، والذي ورث عن أجداده وظيفة الكاهن.
 
وصار بعد ذلك الكاهن الأعظم وقائد حامية إهناسيا وقد تزوج من (محنتو سخت) ابنة زعيم قبيلة مي، وأنجب منها نمرود، الذي تزوج من الأميرة تنتس بح، والتي أنجب منها شيشنق، فأصبح ملك مصر ومؤسس الأسرة الثانية والعشرين، بعد أن اندمج في المجتمع المصري وعاشت أسرته فيها لمدة خمسة أجيال، وبعد أن استقر جده الرابع ماواساتا بمدينة أهناسيا.
 
علماً بأن نمرود بن شيشنق توفي في حياة والده، الذي قام بدفنه في مكان مقدس حسب اعتقاده، وهو مدينة أبيدوس ( التي تقع بمحافظة سوهاج الآن)، وقد نهب قبره، فقام والده شيشنق الكبير بتقديم شكوى للملك، الذي اهتم بالشكوى لمكانته المرموقة في مدينة إهناسيا، وبالنسبة لحفيده شيشنق، والذي ورث منصب جده الكاهن الأعظم ورئيس حامية إهناسيا ورئيس قوم مي (المشواش)، بالإضافة إلى ألقاب أخرى منها “الرئيس الأعظم المشرف على الصعيد”.
 

تأسيس الأسرة الثانية والعشرين

واستطاع شيشنق أن يتولى حكم مصر ويحمل لقب الملك وأسس بذلك لحكم أسرته الأسرة الثانية والعشرين في عام 950 ق.م التي حكمت قرابة قرنين من الزمان، وقد عرفه الإغريق فسموه سوساكوس.
 
وخلال حكم الأسرة الحادية والعشرون الذي دام مائة وثلاثين عاما تقريبًا، عصفت خلالها الأحداث بمصر من الداخل والخارج وعم الفساد بالدولة وأنهكت الضرائب كاهل الشعب، مما أدى إلى تفكك البلاد ولم يجد الملك بداً من محاولة حل المشاكل سلميًا، وفي هذه الفترة كان ظهور شيشنق وتزوج من ابنة الملك بسوسنس الثاني آخر ملوك هذه الأسرة وأعلن قيام الأسرة الثانية والعشرين، وكان ذلك حوالي عام 940 قبل الميلاد.
 
ومن المرجح أنه نجح في تولي الحكم في مصر وديًا وسلميًا ليس كمحتل، وفي عهده كتب في إحدى الصخور في وادي الملوك بمصر أقوى المعارك التي قادها منتصرا.
 
وبالنسبة لعمر الأسرة التي أسسها شيشنق، فقد خص مانِتون الأسرة الثانية والعشرين بمئة وعشرين عامًا فقط، ولكن التسلسل الزمني المقبول حاليًا يجعل المدة تزيد على قرنين كاملين، من 950 ق.م إلى 730 ق.م.
 

أعمال الملك شيشنق

أول عمل قام به الملك شيشنق هو تعيين ابنه أوبوت كاهنًا أعظم في طيبة ليضمن السيطرة على هذا المركز الهام، وبعد ذلك بدأ بتنفيذ برنامج عمراني واسع ما تزال آثاره الخالدة حتى هذا اليوم، منها بوابة ضخمة تعرف الآن باسم بوابة شيشنق وكانت تدعى في عصره ببوابة النصر وهي جزء من امتداد الجدار الجنوبي لبهو الأعمدة الشهير، وقد سجل على هذه البوابة كعادة الملوك المصريين أخبار انتصاراته في فلسطين وتاريخ كهنة آمون من أبناء أسرته.
 
وعلى جدار معبد الكرنك سجل شيشنق انتصاراته الساحقة على إسرائيل في فلسطين، وقد حفرت هذه الرسوم على الحائط الجنوبي من الخارج، وبهذه الفتوحات والغزوات يكون شيشنق قد وحد منطقة مصر والسودان وليبيا والشام في مملكة واحدة لأول مرة بعد تفكيكها. ونقوشه تصور ما قدمته هذه الممالك من جزية بالتفصيل وبتحديد حسابي دقيق مما يؤكد أنها لم تكن مجرد دعايات سياسية طارئة كما يتضح أن شيشنق لم يضم الشام كلها فحسب وضم السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى