كتابنا

أحمد قذاف الدم يكتب…

ماذا يحدث في تشاد ؟!

 

 

لعل الكثير من الناس وحتى بعض الليبيين من هذا الجيل لا يعرفون علاقة ليبيا بالشقيقة تشاد ، ولا الديموجرافيا أو الاختلاط القبلي، والعرقي الذي جمعنا منذ قرون .

فنحنُ امتداد واحد.. منذُ الفتح الإسلامي إلى انتشار الدعوة السنوسية إلى الكفاح المشترك، والهجرات نحو الشمال والجنوب منا ومنهم، ولعل قبائل الزوية، والمغاربة، والقذاذفة، والتبو ، وأولاد سليمان ، والمجابرة ، وغيرهم، وحتى تجار طرابلس، وقابس مروا من هناك، واستوطنوا.. كذلك النيجر .

 

كُنتُ فتى صغيراً يوم أن علمت بأن سلطان وداي، والد الرئيس كوكوني فيما بعد، سيحل ضيفاً في منزلنا، وعرفتُ من والدي بأن علينا تقديم الدعم، وردّ الجميل لتشاد التي استقبلت عشرات الآلاف من الليبيين الذين طردهم الاستعمار التركي والإيطالي، وجاء الوقت الذي نقف إلى جانبهم ضد الاضطهاد .

 

كان ذلك في العهد الملكي، وكان والدي قائد القوة المتحركة في الجنوب، ومسئولاً عن حدود ليبيا الجنوبية، وتشمل جزءًا من الجزائر، والنيجر وتشاد، ورغم وجود قواعد فرنسية في ذلك الوقت، كان العمل لدعم الثورة الجزائرية، وحركات تحرير تشاد مستمرة، وبشكل رسمي.

 

قامت ثورة الفاتح وزاد زخم الدعم، وازدادت فاعليته، وفُتحت المعسكرات، وأبواب ليبيا الجنوبية لكل جيراننا، وآفاق كبيرة للعمل، والتجارة، والتعليم ، والعلاج .

وكانت ثورة الفاتح تعي أهمية تأمين محيط ليبيا، ولن يتم طالما هناك دول تقع تحت سيطرة القوى الاستعمارية، واكتشفنا أن الكثير من الحكومات محمية من الدولة العبرية، بل وتستخدمها لشق صف أفريقيا وخلق التوترات والانقلابات فيها، وهذه الرحلة استمرت لعقود ، ولم ينته هذا الصراع إلا بعد تحرر جنوب أفريقيا.. في معركة بدأت في تشاد من بحر الغزال، ولم نتوقف في منتصف الطريق وإنما سعت ثورة الفاتح نحو توحيد القارة .

 

وبالدعم الليبي المباشر .. أوصلنا الرئيس كوكوني إلى سدة الرئاسة، وكان ذلك أهم أسباب الخلاف مع فرنسا، بل والولايات المتحدة، خاصة عندما كانت مكاتب حركات التحرر تنتشر من روديسا، وحتى الصحراء الغربية مروراً ببحيرة فيكتوريا في أوغندا، وجبال أثيوبيا .

 

وقد تطوع شباب ليبيا ليساهموا في هذه الملحمة ، وتم تأسيس القوات الانتحارية لتكون الذراع العسكرية، التي ساهمت في تنصيب أكثر من عشرين رئيس دولة من أمريكا اللاتينية، وحتى جنوب القارة، وأصبحت ليبيا رقماً صعباً، وعُقدة العُقد للقوى الاستعمارية وقبلة لأحرار العالم.

 

إن تشاد اليوم تمر بمرحلة حرجة بعد وفاة الرئيس “إدريس ديبي” الذي التقيته أول مرة في قلعة سبها في مكتب العقيد “مسعود عبدالحفيظ ” ، وأبلغني يومها بأن نظام الرئيس “حسين حبري” يرفض الإفراج عن الأسرى بعد هزيمة “وادي الدوم ” رغم كل الوساطات، وأوامر القيادة بالاستعداد للزحف على “إنجامينا ” مرة أخرى، وكانت الخطط هذه المرة تأخذ شكلاً تعبوياً مختلفاً .. حيثُ تم تكليف المرحوم اللواء ” حسن الكاسح الحاسي” بمشروعات استثمارية في غرب السودان، وكُلف باستقبال وتدريب مُقاتلي أخينا ” إدريس ” ، وكُلف العقيد “عبدالسلام الحاسي”، ومجموعات قتالية تحت إمرة العقيد مسعود عبدالحفيظ تتسلل عبر الأراضي السودانية بعد سقوط ” جعفر النُميري ” بثورة الشعب السوداني بعد أن اكتشفوا أنه يُهرب ” يهود الفلاشا “من عاصمة اللاءات الثلاث، ويستقبل شارون فيها ، وأصبح أخونا ” الصادق المهدي ” رئيساً للوزراء .

 

وقبل ساعة الصفر بثلاثة أيام استدعاني القائد وحمّلني رسالة سرية للرئيس الفرنسي ” فرنسوا ميتران ” .. الذي استقبلني، وفي نهاية اللقاء فاجأني بسؤاله عن معلومات عن وجود قوات ليبية على الحدود التشادية السودانية، ومدى صحة هذه المعلومات .. كانت مهمتي التأكيد على علاقات اقتصادية وتعاون وتنسيق مع فرنسا وكنت أعرف أن النشاط من الصعب إخفاؤه مع الأقمار الصناعية، والجواسيس .. فأكدت الخبر .

 

وطلبت مهلة أسبوعاً لتأكيد المعلومات، وفور عودتي انطلق الهجوم الخاطف تجاه العاصمة ، وأسقطت المفاجأة أي إمكانية لدعم “حبري” الذي استشعر الخطر، وتوجه نحو الجسر متجهاً إلى الكاميرون، وأصبح ” إدريس ديبي” رئيساً منذ ذلك التاريخ .. تعرض خلالها للكثير من المحاولات لإسقاطه .. لعل أخطرها وصول المتمردين إلى أسوار القصر، وهنا صدرت الأوامر للوقوف دون سقوطه، وتمكنت ليبيا مرة أخرى من تثبيت إدريس الذي استطاع أن يُبقي تشاد دون صراعات تهددنا، وخلق استقراراً لأول مرة مُنذ عقود.

 

في2011 توقع الليبيون أن يقوم برد الجميل، وكان امتحاناً عسيراً .. حيث إنه سيدخل معنا في مواجهة مع فرنسا، والحلف الأطلسي ، ولم يكن يملك حاملات طائرات، ولا صواريخ .. أو طائرات مسيرة ، ولم يكن القذافي يحتاج للرجال ، ولم يكن ليزجّ بتشاد في محرقة لا قِبل لها بها .. كغيرها من الدول الحليفة لأفريقيا، والتي لم يسمح الغرب حتى لمبادرتها للسلام في ليبيا أن تستمر، وبالنسبة لنا وللكثيرين فإن الرئيس إدريس انتحر يوم أن راهن على إسرائيل .. وسقط عندما راهن على طرف أجنبي ليعزز قيمته، ففقدها وسيبقى درساً لنا جميعاً.. الغريب أننا لم نسمع في إسرائيل أحداً يحتج على تدخلات إسرائيل أو تكاليف ذلك ؟! .. كما يحدث عندنا.. مما جعل دولنا كالنعاج تساق للذبح كل صبح .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى