الأسرة والرعاية اللغوية للطفل
أ.د. محمد رجب فضل الله يكتب…
في مقالنا السابق قلنا إن الرعاية اللغوية للطفل في المنزل أساس لنجاحه المدرسي، وإنها من جوانب الرعاية التي ينبغي أن يحظى بها الطفل منذ ولادته ، وقبل التحاقه بالمدرسة التي سيتعلم فيها اللغة تعلماً مقصوداً .
ومن المفيد في بداية مقالنا الثاني في سلسلة ( التربية اللغوية للطفل) التأكيد على أن الأسرة هي الوسيط الأول، والأم هي المعلمة فيها ، وهي تبدأ رعايتها لطفلها منذ ولادته : فأغاني المهد، والتحدث إلى الطفل، وإكسابه اللغة مفردة مفردة ، وتوفير فرص الاستماع لديه لأصوات وكلمات ، وتشجيعه ، وإظهار السرور لكلامه ، وإتاحة الفرص لديه للتعبير عما يريد ، وتقبل ألفاظه وتصويبها برفق، والارتقاء التدريجي بلغته، والإكثار من سرد القصص والحكايات له ، والاستماع إلى حكاياته، والإجابة عن أسئلته.. كل هذا وغيره يمثل بعض أشكال الرعاية اللغوية للطفل.
ففي العام الأول للطفل ؛ تأتي الممارسات الصوتية الموجهة لسمع الطفل في مقدمة الأنشطة التي تساهم في التربية اللغوية للطفل في عامه الأول ، ويمكن عرض نماذج لأشكال الرعاية اللغوية للطفل في عامه الأول فيما يلي:
– توفير فرص الاستماع لأصوات تصدر من أدوات لها أنغام متباينة (أدوات خشبية – جرس – عملة معدنية) والتأكد من التفات الطفل للأداة التي تصدر الصوت .
– توفير فرص الاستماع لأصوات تصدرها أدوات يحركها الطفل بنفسه (يمكن أن يعلق جرسا في يده أو قدمه ، وعندما يتحرك يصدر الجرس الصوت) .
– تشجيع الطفل على اكتشاف صوته بعدم مقاطعته وهو يصدر أصوات المداعبة (مرحلة المناغاة) ، وبإظهار السعادة وهو يصدر هذه الأصوات ، وتشجيعه على استمرارها .
– الإكثار من التحدث إلى الطفل ليعتاد الأصوات الموجودة حوله .
– ترديد أغاني المهد ، وحكايات ما قبل النوم ، ليألف اللغة ويشعر بجمالها .
– مساعدة الطفل على فهم ما يسمعه من كلمات، بتعويده على أفعال يقوم بها للتعبير عن مواقف مثل تحريك يديه ليعبر عن “مع السلامة” ، ورفع يديه لأعلى تعبيراً عن الرغبة في حمله ، وبالتحرك نحو الباب إظهارا لرغبته في الخروج من البيت ، وهكذا .
– إظهار السرور المصحوب بالتشجيع عندما ينطق الطفل بكلمة أو ما يشبه الكلمة .
– تشجيع الطفل على إخراج الأصوات .. وجعله يتحسس وجوهنا أثناء الكلام ، وعندما نتلفظ ننتظر حتى يقلد ما سمعه .
– حث الطفل على تقليد ومحاكاة مختلف الأصوات اللغوية ، وأصوات الأشياء : صوت سيارة ، صوت حيوان ، صوت آلة …
– الاستجابة إلى حركاته وإشاراته وأصواته فهي وسيلته في الاتصال (الاتصال اللاكلامي).
– الإكثار من تسمية الأشياء والأشخاص ، مع الإشارة إليها ، والطفل يكتسب ألفاظ هذه الأشياء ، وأسماء هؤلاء الأشخاص بالربط بين الأصوات والإشارات المصاحبة لها.
ومن نتائج الرعاية اللغوية للطفل فهمه الكلمات البسيطة التي يستمع إليها كثيراً ، والاستجابة لبعض الأوامر مثل خذ .. أعطني ، والانتباه للأصوات ، والتحرك مع النغمات الموسيقية ، والتلفظ بأصوات ذات نغمات تقليداً للآخرين ، واستخدام كلمة بسيطة ذات معنى (بابا – ماما)، وإصدار أصوات تدل على الفرحة أو على أصوات الحيوانات المنزلية ، والمناغاة إلى الآخرين ، وكأنه يتحدث إلى الآخرين وإن كانت اللغة غير مفهومة ، واستخدام الحركات والإيحاءات التي تعبر عن الرفض.
• وفي عامه الثاني يبدأ الطفل مرحلة الكلام الحقيقي، ورعايته لغوياً تزيد مفرداته ، وتتحدد أساليب رعاية الطفل خلال عامه الثاني فيما يلي :
– التركيز معه ، وإعطاؤه الانتباه كاملاً عندما يبدأ الكلام ، ويفضل أن نظهر دائماً أننا نفهم ما يقول ، ونحقق له مطلبه إذا كان مناسباً .
– السماح له أن يعبر عن عدم قبوله لأمر ما ، وتعليمه أن يحيى الآخرين عند مقابلتهم ، وأن يسلم عليهم عند المغادرة ، ويوجه لهم الشكر ، وما إلى ذلك من المواقف الكلامية.
– البطء في إعطاء الأوامر والتوجيهات ، وتكرارها، مع استخدام الإشارات والحركات التي تعين الطفل على الفهم ، مما يشعره بسهولة اللغة .
– استعمال اللغة بشكل صحيح عند التحدث للطفل ، مع الترتيب السليم للكلمات ، وترتيب الأحداث التي يحكى عنها .
– تخصيص وقت يومياً للجلوس إلى الطفل في مكان هادئ والاستماع إليه فهذا يشعره بالاهتمام به ، ويعوده الإصغاء إلى الآخرين مثلما يستمعون إليه بإنصات .
– استعمال الصور المعبرة عن كلمات نرغب في ترسيخها في ذهن الطفل ، وتوفيرها – بشكل جذاب – أمامه ليراها ، ويلتقطها ويلعب بها .
– تدريب الطفل على استخدام الأفعال لفائدة ذلك في بناء جملة مفيدة ، فعندما يسمى الطفل شيئاً نذكر له الفعل الملائم لهذا الاسم ، والأفعال تساعد الطفل على التفاعل مع البيئة المحيطة به ، وباستخدام الأفعال فإن الطفل يستطيع طلب معلومات ، وإعطاء أوامر وتوجيهات ، ويطلب الإذن ، ويصف الأحداث .
– تشجيع الطفل على التقليد ، ومحاكاة أصوات الآخرين.
والرعاية اللغوية للطفل خلال العامين الأولين تساعده على حسن الاستقبال الشفهي للغة ؛ فيستجيب لما يسمعه من أوامر أو طلبات ، ويستمتع بالنغمات والأغاني ، ويشير إلى الأشياء التي يسمع أسماءها ، ويفهم الأسئلة البسيطة التي يجاب عنها بنعم / لا ، ويحاول فهم مضمون الكلام الذي يستمع إليه ، ويفهم معنى الكلمات التي تدل على أماكن فيذهب إليها ويضع الأشياء فيها ، ويستطيع إصدار أصوات مفهومة تعكس رغبته في الحصول على شيء، واستخدام كلمات ذات معنى ، والإجابة عن أسئلة بسيطة توجه له ، وتقليد ما يستمع إليه من كلمات جديدة، ومحاكاة أصوات بعض الطيور والحيوانات ، والنطق باسمه أو اسم أخيه أو أخته ، وربط كلمتين معاً تعبيراً عن مطلب أو رغبة.
• ويشهد العام الثالث من عمر الطفل بداية نمو سريع في مهاراته اللغوية ، وذلك لاتساع خبراته ، وامتداد بيئته، وميله لاكتشاف الأشياء والنظر إليها ، والشعور بها وقياسها .
ويمكن أن تتمثل أساليب الرعاية اللغوية لطفل الثالثة في :
– توسيع آفاق خبراته عن طريق مقابلة أشخاص جدد، وتعرف أماكن ، وأدوات، ولعب جديدة ، ومواجهة مواقف متنوعة.
– الإكثار من سرد القصص الخيالية للطفل ، وفي ذلك استغلال لميوله نحو التخيل والتقليد.
– إكساب الطفل خبرات متنوعة عن الكتب والمطبوعات ، وذلك من خلال ما يجده أمامه من كتب وقصص ومجلات على رف مكتبة منزلية ، ومشاهدته للكبار وهم يقرءون .
– الإجابة عن أسئلة الطفل ، وتفسير ما يغمض عليه، والدراية الكاملة بما يطلبه.
– إتاحة الفرص أمام الطفل لاسترجاع بعض المواقف التي حدثت معه ، وإعادة كلمات سمعها .
– إشراك الطفل في الحديث، وإتاحة الفرصة له للتعبير عن ذاته وتشجيعه على الاندماج في جماعات اللعب.
– المعاونة اللفظية للطفل لتمكينه من استخدام التعبيرات اللغوية المختلفة ، وتوفير مواقف للمناقشة ، مع تفسير ما يصعب عليه من كلمات.
– قراءة قصص مصورة ذات جمل قصيرة أمام الأطفال ، وتكرار القصة الواحدة عدة مرات ؛ حتى يصل الطفل إلى القدرة على سردها بنفسه بمجرد مشاهدة الصور.
– سؤال الطفل – وبعد كل عمل – عما فعله ، أو عن الخبرات التي مر بها ، والتدرج في تفاصيل الشيء لزيادة مقدرة الطفل على استعمال جمل مكونة من كلمتين أو ثلاث.
– إشعار الطفل بالرغبة في الاستماع إليه مهما اتسم كلامه بالبطء أو الصعوبة أو كثرة الأخطاء ، وعدم إظهار الملل أو الضيق من ذلك .
وهذه الرعاية يمكن أن تصل بالطفل إلى فهم التصرفات والأفعال التي تطلب منه ، وفهم القصص المصورة التي تحكى له ، ومعرفة أسماء أعضاء الجسم والنطق بها، ومعرفة فوائد كثيرة للأدوات المنزلية ، والنطق بها عندما يسأل عنها، والاستمتاع بالقصص القصيرة التي تحكي له، وفهم كلام الآخرين ، وتسمية الأشكال والرسوم التي يراها، وذكر اسمه وأسماء أفراد أسرته ، ووصف المواقف التي يراها ، واستخدام ضمائر وظروف المكان وعد رقمين متسلسلين ، والتعبير عن احتياجاته الشخصية وطلب المساعدة لإنجازها ، واستعمال جمل إنشائية (أمر- طلب .. ).
وللحديث بقية ( إن كان في العمر بقية).