الأسرة والرعاية اللغوية للطفل
![محمد رجب فضل الله](https://sqawoa.com/wp-content/uploads/2021/09/الدكتور-محمد-رجب-فضل-الله-2-637x405.jpg)
أ.د. محمد رجب فضل الله يكتب…
في مقالنا السابق قلنا إن الرعاية اللغوية للطفل في المنزل أساس لنجاحه المدرسي، وإنها من جوانب الرعاية التي ينبغي أن يحظى بها الطفل منذ ولادته ، وقبل التحاقه بالمدرسة التي سيتعلم فيها اللغة تعلماً مقصوداً .
ومن المفيد في بداية مقالنا الثاني في سلسلة ( التربية اللغوية للطفل) التأكيد على أن الأسرة هي الوسيط الأول، والأم هي المعلمة فيها ، وهي تبدأ رعايتها لطفلها منذ ولادته : فأغاني المهد، والتحدث إلى الطفل، وإكسابه اللغة مفردة مفردة ، وتوفير فرص الاستماع لديه لأصوات وكلمات ، وتشجيعه ، وإظهار السرور لكلامه ، وإتاحة الفرص لديه للتعبير عما يريد ، وتقبل ألفاظه وتصويبها برفق، والارتقاء التدريجي بلغته، والإكثار من سرد القصص والحكايات له ، والاستماع إلى حكاياته، والإجابة عن أسئلته.. كل هذا وغيره يمثل بعض أشكال الرعاية اللغوية للطفل.
ففي العام الأول للطفل ؛ تأتي الممارسات الصوتية الموجهة لسمع الطفل في مقدمة الأنشطة التي تساهم في التربية اللغوية للطفل في عامه الأول ، ويمكن عرض نماذج لأشكال الرعاية اللغوية للطفل في عامه الأول فيما يلي:
– توفير فرص الاستماع لأصوات تصدر من أدوات لها أنغام متباينة (أدوات خشبية – جرس – عملة معدنية) والتأكد من التفات الطفل للأداة التي تصدر الصوت .
– توفير فرص الاستماع لأصوات تصدرها أدوات يحركها الطفل بنفسه (يمكن أن يعلق جرسا في يده أو قدمه ، وعندما يتحرك يصدر الجرس الصوت) .
– تشجيع الطفل على اكتشاف صوته بعدم مقاطعته وهو يصدر أصوات المداعبة (مرحلة المناغاة) ، وبإظهار السعادة وهو يصدر هذه الأصوات ، وتشجيعه على استمرارها .
– الإكثار من التحدث إلى الطفل ليعتاد الأصوات الموجودة حوله .
– ترديد أغاني المهد ، وحكايات ما قبل النوم ، ليألف اللغة ويشعر بجمالها .
– مساعدة الطفل على فهم ما يسمعه من كلمات، بتعويده على أفعال يقوم بها للتعبير عن مواقف مثل تحريك يديه ليعبر عن “مع السلامة” ، ورفع يديه لأعلى تعبيراً عن الرغبة في حمله ، وبالتحرك نحو الباب إظهارا لرغبته في الخروج من البيت ، وهكذا .
– إظهار السرور المصحوب بالتشجيع عندما ينطق الطفل بكلمة أو ما يشبه الكلمة .
– تشجيع الطفل على إخراج الأصوات .. وجعله يتحسس وجوهنا أثناء الكلام ، وعندما نتلفظ ننتظر حتى يقلد ما سمعه .
– حث الطفل على تقليد ومحاكاة مختلف الأصوات اللغوية ، وأصوات الأشياء : صوت سيارة ، صوت حيوان ، صوت آلة …
– الاستجابة إلى حركاته وإشاراته وأصواته فهي وسيلته في الاتصال (الاتصال اللاكلامي).
– الإكثار من تسمية الأشياء والأشخاص ، مع الإشارة إليها ، والطفل يكتسب ألفاظ هذه الأشياء ، وأسماء هؤلاء الأشخاص بالربط بين الأصوات والإشارات المصاحبة لها.
ومن نتائج الرعاية اللغوية للطفل فهمه الكلمات البسيطة التي يستمع إليها كثيراً ، والاستجابة لبعض الأوامر مثل خذ .. أعطني ، والانتباه للأصوات ، والتحرك مع النغمات الموسيقية ، والتلفظ بأصوات ذات نغمات تقليداً للآخرين ، واستخدام كلمة بسيطة ذات معنى (بابا – ماما)، وإصدار أصوات تدل على الفرحة أو على أصوات الحيوانات المنزلية ، والمناغاة إلى الآخرين ، وكأنه يتحدث إلى الآخرين وإن كانت اللغة غير مفهومة ، واستخدام الحركات والإيحاءات التي تعبر عن الرفض.
• وفي عامه الثاني يبدأ الطفل مرحلة الكلام الحقيقي، ورعايته لغوياً تزيد مفرداته ، وتتحدد أساليب رعاية الطفل خلال عامه الثاني فيما يلي :
– التركيز معه ، وإعطاؤه الانتباه كاملاً عندما يبدأ الكلام ، ويفضل أن نظهر دائماً أننا نفهم ما يقول ، ونحقق له مطلبه إذا كان مناسباً .
– السماح له أن يعبر عن عدم قبوله لأمر ما ، وتعليمه أن يحيى الآخرين عند مقابلتهم ، وأن يسلم عليهم عند المغادرة ، ويوجه لهم الشكر ، وما إلى ذلك من المواقف الكلامية.
– البطء في إعطاء الأوامر والتوجيهات ، وتكرارها، مع استخدام الإشارات والحركات التي تعين الطفل على الفهم ، مما يشعره بسهولة اللغة .
– استعمال اللغة بشكل صحيح عند التحدث للطفل ، مع الترتيب السليم للكلمات ، وترتيب الأحداث التي يحكى عنها .
– تخصيص وقت يومياً للجلوس إلى الطفل في مكان هادئ والاستماع إليه فهذا يشعره بالاهتمام به ، ويعوده الإصغاء إلى الآخرين مثلما يستمعون إليه بإنصات .
– استعمال الصور المعبرة عن كلمات نرغب في ترسيخها في ذهن الطفل ، وتوفيرها – بشكل جذاب – أمامه ليراها ، ويلتقطها ويلعب بها .
– تدريب الطفل على استخدام الأفعال لفائدة ذلك في بناء جملة مفيدة ، فعندما يسمى الطفل شيئاً نذكر له الفعل الملائم لهذا الاسم ، والأفعال تساعد الطفل على التفاعل مع البيئة المحيطة به ، وباستخدام الأفعال فإن الطفل يستطيع طلب معلومات ، وإعطاء أوامر وتوجيهات ، ويطلب الإذن ، ويصف الأحداث .
– تشجيع الطفل على التقليد ، ومحاكاة أصوات الآخرين.
والرعاية اللغوية للطفل خلال العامين الأولين تساعده على حسن الاستقبال الشفهي للغة ؛ فيستجيب لما يسمعه من أوامر أو طلبات ، ويستمتع بالنغمات والأغاني ، ويشير إلى الأشياء التي يسمع أسماءها ، ويفهم الأسئلة البسيطة التي يجاب عنها بنعم / لا ، ويحاول فهم مضمون الكلام الذي يستمع إليه ، ويفهم معنى الكلمات التي تدل على أماكن فيذهب إليها ويضع الأشياء فيها ، ويستطيع إصدار أصوات مفهومة تعكس رغبته في الحصول على شيء، واستخدام كلمات ذات معنى ، والإجابة عن أسئلة بسيطة توجه له ، وتقليد ما يستمع إليه من كلمات جديدة، ومحاكاة أصوات بعض الطيور والحيوانات ، والنطق باسمه أو اسم أخيه أو أخته ، وربط كلمتين معاً تعبيراً عن مطلب أو رغبة.
• ويشهد العام الثالث من عمر الطفل بداية نمو سريع في مهاراته اللغوية ، وذلك لاتساع خبراته ، وامتداد بيئته، وميله لاكتشاف الأشياء والنظر إليها ، والشعور بها وقياسها .
ويمكن أن تتمثل أساليب الرعاية اللغوية لطفل الثالثة في :
– توسيع آفاق خبراته عن طريق مقابلة أشخاص جدد، وتعرف أماكن ، وأدوات، ولعب جديدة ، ومواجهة مواقف متنوعة.
– الإكثار من سرد القصص الخيالية للطفل ، وفي ذلك استغلال لميوله نحو التخيل والتقليد.
– إكساب الطفل خبرات متنوعة عن الكتب والمطبوعات ، وذلك من خلال ما يجده أمامه من كتب وقصص ومجلات على رف مكتبة منزلية ، ومشاهدته للكبار وهم يقرءون .
– الإجابة عن أسئلة الطفل ، وتفسير ما يغمض عليه، والدراية الكاملة بما يطلبه.
– إتاحة الفرص أمام الطفل لاسترجاع بعض المواقف التي حدثت معه ، وإعادة كلمات سمعها .
– إشراك الطفل في الحديث، وإتاحة الفرصة له للتعبير عن ذاته وتشجيعه على الاندماج في جماعات اللعب.
– المعاونة اللفظية للطفل لتمكينه من استخدام التعبيرات اللغوية المختلفة ، وتوفير مواقف للمناقشة ، مع تفسير ما يصعب عليه من كلمات.
– قراءة قصص مصورة ذات جمل قصيرة أمام الأطفال ، وتكرار القصة الواحدة عدة مرات ؛ حتى يصل الطفل إلى القدرة على سردها بنفسه بمجرد مشاهدة الصور.
– سؤال الطفل – وبعد كل عمل – عما فعله ، أو عن الخبرات التي مر بها ، والتدرج في تفاصيل الشيء لزيادة مقدرة الطفل على استعمال جمل مكونة من كلمتين أو ثلاث.
– إشعار الطفل بالرغبة في الاستماع إليه مهما اتسم كلامه بالبطء أو الصعوبة أو كثرة الأخطاء ، وعدم إظهار الملل أو الضيق من ذلك .
وهذه الرعاية يمكن أن تصل بالطفل إلى فهم التصرفات والأفعال التي تطلب منه ، وفهم القصص المصورة التي تحكى له ، ومعرفة أسماء أعضاء الجسم والنطق بها، ومعرفة فوائد كثيرة للأدوات المنزلية ، والنطق بها عندما يسأل عنها، والاستمتاع بالقصص القصيرة التي تحكي له، وفهم كلام الآخرين ، وتسمية الأشكال والرسوم التي يراها، وذكر اسمه وأسماء أفراد أسرته ، ووصف المواقف التي يراها ، واستخدام ضمائر وظروف المكان وعد رقمين متسلسلين ، والتعبير عن احتياجاته الشخصية وطلب المساعدة لإنجازها ، واستعمال جمل إنشائية (أمر- طلب .. ).
وللحديث بقية ( إن كان في العمر بقية).