«العادة يا معزب الرحمن».. آداب الطعام والضيافة عند البدو
أميرة جادو
يتميز البدو بإخلاصهم للعادات والتقاليد الموروثة وتطبيقها في الحياة اليومية، وأهمها استقبال الضيوف، حيث يعتبر الكرم من أهم سمات البدو، وخاصة إكرام الضيف وآداب الطعام، فهي من العادات والتقاليد التي ورثتها القبائل العربية حتى يومنا هذا.
“بارك يا معزب على زادك”
ومن آداب الطعام عند البدو، أن الضيوف لا يبدؤون الطعام إلا إذا أذن لهم المعزّب وهو “صاحب المنزل”، ويطلبون منه ذلك صراحة بقولهم: “بارك يا معزب على زادك”، عندئذٍ إما أن يأذن لهم بقوله: “مفوضين”، وهذا إذن كي يباركوا بأنفسهم، أو يبارك على زاده بنفسه، ويبدأ المعزب بالمباركة تتضمن العبارة “بسم الله الرحمن الرحيم سبحان من قسّم الأرزاق، ولم ينسِ من فضله أحداً”، وتعد هذه العبارة مطلق القناعة بما قسم الله من أرزاق.
والمباركة ليست مطلوبة في الولائم الكبيرة كولائم الأعراس والمناسبات الأخرى، وإنما يقتصر طلب المباركة على الولائم الصغيرة المحصورة بنفر قليل من المدعوين.
ومن عاداتهم أيضًا ألا يأكل صاحب المنزل أي المعزب مع الضيف، حتى يظل جاهزًا لخدمة ولتلبية الطلبات وتزويد الضيف بطعام إضافي في حال نقصانه، أو الإمداد بالخبز أو المليحية أو الكبة في حال الولائم الكبيرة.
وفي الولائم الصغيرة يحاول الضيوف دعوة المعزب لمشاركتهم الطعام قائلين: “تفضل لفضلك”، فيجيب المعزب: “انبسطوا أهلا وسهلا”، وربما أصروا عليه لمشاركتهم الطعام بقولهم: “الزاد من غير أهله مش طيب”، ومن الممكن أن يقبل المعزب دعوة الضيوف لمشاركتهم الأكل، لا بقصد الأكل وإنما بقصد تفسيخ اللحم لهم وتوزيعه عليهم، وقد يرفض الدعوة طالباً من أحد أقربائه أن ينوب عنه في هذه المهمة قائلاً له: “عزّب الضيوف يا فلان”.
آداب الطعام على المنسف
من آداب الطعام على المنسف، أولًا يسد الكبار، والمقصود بالسد هو سد الفراغ حول المنسف، ويطلق على الجماعة التي تسد أولاً “الطورة الأولى”، ويجب أن يلتزم من قاموا في الطورة الأولى بالمحافظة على جمال المنسف وعدم تبشيعه، بأكل ما عليه من اللحم، دون أن يحسبوا حساباً للطورة الثانية.
وألا يبدأ اي شخص الطورة الثانية إلا إذا شغر مكان له، وربما دعا غيره إلى ذلك المحل، غير أنهم يقولون له: “ثنيتك”، أي هذا مكانك، وربما جاءت الكلمة من أنه ثاني من يشغل هذا المحل بعد أن شغله من كان في الطورة الأولى.
ومن آداب الطعام عند البدو أيضًا، ألا يذم أحدهم الزاد الذي قدم إليه، وألا يعبر عن اشمئزازه مهما يكن السبب، وربما حصل أن عثر أحدهم على ذبابة سقطت بالطعام مصادفة، فالواجب والأدب يحتم عليه أن يرفعها، ويلقيها جانباً، بحيث لا يثير انتباه أحد، وأن يتابع الطعام دون تأفف، حفظاً لماء وجه صاحب البيت.
“الزاد إذا تفتش ما بيعود يتّاكل”
من المعيب أن يسأل عن مكونات هذا الطعام أو ذاك، فربما أثار هذا التساؤل اشمئزازاً لذلك قالوا: “الزاد إذا تفتش ما بيعود يتاكل”، وهو مثل يضربونه أيضاً في الدعوة لتلافي العيب وغض النظر عن بعض أخطاء الناس.
“نحن قوم لا نأكل حتى نجوع.. وإذا أكلنا لا نشبع”
ومن عادات البدو أنهم لا يأكلون إلا إذا جاعوا، متمثلين بالمأثور: “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع”، ولذلك فهم يرون أن “الأكل على الجوع ما في أطيب منه”، وعندهم أن الإسراف في الطعام غير محمود “فالبطن ما بيسع أكثر من ملاتو”، “والمزاودي حرام”، والمقصود بالمزاودة الأكل بعد الشبع.
“العادة يا معزب الرحمن”
عندما يوضع الزاد (الطعام) أمام الضيف يجب ان يقبض قطعة من اللحم ويقول لراعي البيت: “العادة يا معزب الرحمن” فيرد علية المعزب فيأخذ القطعة لأهل بيته.. أو يقول: (طالعة)، بمعنى أن أهل بيته لديهم زاد يتعشوا منه واذا لم يقم الضيف بهذا العمل تعاقبه راعية البيت بعدم ارسال الصابون للاغتسال.. فإذا طلب الصابون ترد علي: (صابون العرب لحاها)، وسبب هذا القول أن الضيف تجاوز على عرف البادية.