احفاد هكتور، الحلقة (11)
احفاد هكتور، الحلقة (11)
محمد مسعود محمد:
اسرة الكارولينج The Carolingian Dynasty
اطلق أسم (كارولينج) على هذه الأسرة بسبب تواجد اسماء مثل كارل وشارل وچارلز وشارلمان وچارلي زشارلي وكارلو وكالوس و ،،الخ الخ الخ بينهم بكثرة. اصلهم غير معروف، فمملكة الفرنكيين قامت على اكتاف عنصرين قوميين
اولا، عشيرة الفرنك وهم من الجرمان. هؤلاء كانوا العمود الفقري من الناحية القيادة العسكرية.
ثانيا، شعب الگالو-روم وقد تولوا النواحي الاقتصادية كالاشراف على الزراعة والضرائب مثلا، ثم المسائل القانونية والدينية والثقافية (اللغة الرسمية كانت لغتهم). طبعا ذلك يعود لكلوڤيس كما اشرنا الذي اعتمد في الأدارة على موضفين وحاشية من الگاليين المسيحيين.
من الجدير بالذكر ان هذه التزاوج القومي يمكن تلمسه في سياسة السلاطين السلاجقة في العصر العباسي حيث ان السلاطين والجيوش كانوا من العنصر التركي، بينما لغة الدولة والقسم الأداري ككل (القانوني والمالي والثقافي والخ) كان فارسيا. بذلك التزاوج بين الترك والفرس نشأت ونمت تركيبة سياسية قوية سادت على قلب العالم الأسلامي منذ اواسط العصر العباسي الى اواخر العهد العثماني. تلك التركيبة (تزاوج بين قوميتين ذكر وانثى) كانت قد استتبت في مملكة الفرنك قبلهم لكن بدلا من الترك والفرس كان هناك (الجرمان والگال).
من اهم المناصب الأدارية في مملكة الفرنكيين كان منصب عمدة القصر (Mayor of Palace). في البداية كانت وضيفة خدمية تشبه وضيفة الحاجب لدى الخلافاء العباسيين. لكن مع تفرق المملكة بين ورثة كلوڤيس تنامت سلطة العمداء لدرجة انهم اصبحوا المسيرين الحقيقين لتلك الدول، بينما احفاد كلوڤيس اصبحوا يعرفون بالملوك العاطلين (The do nothing kings). وقد برزت عدة اسر في الأقسام الاربعة تحولوا الى ما يشبه (عمداء بالوراثة) او وزراء بالوراثة!
في عام 687 قام پيبين الهرستالي Pippin of Herstal (پيپين او پيپان حسب التلفظ الفرنسي، وكان عمدة القصر في العاصمة الشرقية مايتز) قام بهزيمة عمدة قصر پاريس وهو شخص فاسد يدعى بيرثار Berthar فوحد الشقين الرئيسيين لمملكة الفرنكيين تحت قيادته واصبحت وضيفة العمدة وضيفة وراثية محصورة لأسرته المعروفين بالكارولنج.
ثم نصل الى عهد حفيده الشهير المدعو شارل مارتل الذي ورث ذلك المنصب في 715. شارل مارتل كان له دور مفصلي في الطغيان النهائي لأسرة الكارولنج على المملكة، حيث انه في عام 718 نجح في هزيمة چلبريك الثاني (Chilperic II) اخر ملوك الميروفنج. مع ذلك فأن شارل مارتل لم يعلن نفسه ملكا بل ضل يحكم كعمدة للقصر ونيابة عن اسرة الميروفنج اسميا مع انهم كانوا في حالة تلاشي. هذه الظاهرة تبدو غريبة، فبأي حق يقوم عمدة او وزير بأزاحة ملك معين ثم يدعي انه وزير تابع لأسرة ذلك الملك، وكف سكت الناس والكنائس والبابا في روما عن ذلك؟
جوابا اقول ان الوضع السياسي لأوروپا في تلك الفترة كان حرجا جدا لم يدع مجالا للتفكير بمدى شرعية رأس دولة التي (هي وبيزنطة) كانتا الحاميتان الوحيدتان للمسيحية والحضارة الاوروپية. فمن الشرق كانت قبائل الآڤار تغير على الأمبراطورية البيزنطية. الآڤار (Avars) كانوا قبائل تركو-مغولية وضعوا مدينة بيزنطة تحت حصار شل الروم البيزنطيين تماما لعدة عقود، ولعل ذلك كان من اسباب نجاح العرب المسلمين في انتزاع مصر وبلاد الشام من البيزنطيين بتلك السهولة.
بعدها تقدم الآڤار الى اوروپا الشرقية مهددين بلاد الهنگار والجرمان انفسهم.
في نفس الفترة نشط القسم الشرقي من قبائل السكسون (القسم الغربي منهم كان قد عبر الى الجزر البريطانية في القرن الخامس). سكسون المانيا كانوا لا يزالون على طبيعتهم الوثنية والبدوية وقد نشطوا في الغارات وتمكنوا من استقطاع التخوم الشمال الشرقية لأوروپا ومملكة الفرنكيين.
اما التهديد الأكبر فقد جاء بعد فترة قصيرة من الجنوب، فبينما بيزنطة محاصرة ومشلولة، ظهر العرب فجأة وقد انقلبوا حديثا الى الأسلام فاجتاحوا الهلال الخصيب وشمال افريقيا ثم استولوا على اقسام من اسپانيا في وقت قياسي، ولم يتوقفوا هناك بل توجهت انظارهم الى اخصب واغنى بقعتيتن في القارة، فرنسا وايطاليا.
لذلك فان البابوية في روما والشعوب الأوروپية ككل لم يكونوا منشغلن بمن يحكم؟ بل كانوا يتوقون لقيادة قوية تحفظ الأرض والعرض من هجمات قبلية جديدة وغريبة عن المنطقة.
هنا برزت قيادة شارل مارتل واسرة الكارولنج، فقد ابطاء من تقدم الآڤار والسكسون من الشرق، ثم ركز على صد العرب والبربر الذين كانوا قد توغلوا في قلب مملكته. فهزمهم في موقعة پواتير الشهيرة يوم 10\10\732 (اطلق عليها العرب اسم بلاط الشهداء). وفي تلك المعركة اكتسب شارل لقب (Martel) بمعنى المطرقة، ذلك لأنه حمل مطرقة كما في الصورة.
بهذا النصر لم يعد احدا يود ان يسأل شارل مارتل عن شرعية حكمه. لكن مع كل هذه الهالة من العز والقدسية التي احاطت بشارل مارتل واسرته لم يعلن نفسه ملكا بل ضل يحكم بلقب عمدة القصر حتى موته عام 741. ولم يتبدل لقب تلك الاسرة الحاكمة الا في عهد ولده پيپان الثالث (Pipin III 741 – 768) حيث ان حكم الكارولنج كان اصبح امرا اكثر من واقع وقد تحقق ذلك الانتقال بسلاسة وبتنسيق وتأييد من قبل البابا في روما، فاعلن نفسه ملكا عام 751.
كان ذلك التبديل الأول والأخير للأسرة المالكة في الدولة الفرنكية. صحيح ان العرش انتقل من اسرة الميروفنج الى اسرة الكارولنج، لكن لا اسم الدولة تبدل ولا طبيعتها، بل اكتسبت شرعية وقوة اكبر حيث ان باباوات روما لم يأملوا لأسرة الكارولنج في نيل الملكية فحسب، بل كانوا يأملون في احياء الأمبراطورية الرومانية القديمة بشكل ما للتخلص من سلطة الروم البيزنطيين على روما. ذلك لأن الكراهية القديمة بين الرومان والأغريق (احفاد هكتور واخيل) كان قد التبست عبر القرون رداء جديدا اسمه الأختلاف المذهبي بين الكاثوليكية الرومانية والأورثودوكسية البيزنطية). وقد تم لهم ذلك في عهد الملك التالي من الكارولنج، عهد شارلمان، اشهر ملوك العصور الوسطى، كان هكتور الجديد الذي عمل السيف في احفاد اخيل باسلوب فاق التصور كما سنرى.