عادات و تقاليد

ملامح الحياه قديما في حلايب وشلاتين

كان جدي يشرب لبن الإبل كما يشرب الماء، يخلطه بعسل النحل الوارد إلى بلادنا من الجبال، يجمع الحطب عند عودته من المرعى أطراف النهار.
كان يتسلق الجبال لا للتريض ولكن بحثاً عن أغنامه الضائعة بين الشعاب ورياض الأودية، ثم يسقيها من البئر التي حفرها رفقة آبائه في ريعان صباه.
لم يبرح جدي هذا الجنوب الشرقي إطلاقاً، ورفض التخلي عنه رغم محاولات إقناعه المتكررة بالنزول إلى المدينة، كان جدي لا يؤمن بأن هناك حياة أجمل من التي يعيشها هو في هذا المناخ الصحي.
لم يتذوق جدي الفاكهة ولم يأكل الأطعمة المسرطنة طوال حياته، ولم يتنقل بسيارة، بل كان يستخدم “راحلته” الخاصة، وعندما كان يتعرض لوعكةٍ صحية، كان يتداوي منها بأعشابٍ يحفظ أماكنها هو في الجبال، كان يستخدم أعواد الآراك لتنظيف أسنانه.. لم يتعلم جدي في مدرسةٍ قط، ولكنه كان يتفرس وجوه الناس فيعرفهم من أي قبيلة ومن أي مكان.
كان يعشق الموسيقى، ويعزف على أوتار الباسينكوب” التي صنعها بنفسه من البيئة المحيطة يروِّح بها عن نفسهِ ويسلِّيها عند أوقات الفراغ.
زار جدي كل هذه الصحراء، وسار في معظم هذه الوديان التي يحفظ مسارها وهو يرعى الإبل.
عاش جدي في هذا الجنوب الشرقي ومات دون أن تنال من عقله أعراض الشيخوخة، كان يتذكر كل شيء مر على حياته تقريباً، كان يصلي الفروض الخمسة مع جيرانه في مسجد أسسه هو بجوار منزله جمع حجارته من هذه الصحراء.
عاش جدي في هذا الجنوب حياة عظيمة لأكثر من تسعين عاماً، عاش جدي هذه الحياة التي يختارها الناس الآن كوجهة سياحية لرحلاتهم كلما أرادوا الهروب بأرواحهم من ضيق المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى