حوارات و تقارير

كيف مثّلت الكسوة رمز للسيادة المصرية على منطقة الحجاز؟

دعاء رحيل

تتزين الأراضى السعودية الحجازية، كل عام وتزدهر بقدوم حجاج بيت الله الحرام من كل حدب وصوب فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وتتهيأ يثرب «المدينة المنورة» لإستقبال موسم الحجيج حيث قبر النبى صلى الله عليه وسلم، وحيث البقيع وقبور الصحابة والأنصار، أما مكة فتكاد لاتنام حيث تتهيأ الأماكن المقدسة للعرس السماوي السنوى الذى دعى إليه المولى عز وجل فى كتابه العزيز بقوله تعالي: «وأتموا الحج والعمرة لله» صدق الله العظيم .

 

 

وفى كل عام يتم تجديد كسوة الكعبة المشرفة منذ عهد سيدنا إسماعيل والذى يقال إنه كساها مع أبيه سيدنا إبراهيم عليهما السلام، أما أول من كساها – كما تذكر المراجع التاريخية فهو «عدنان بن أد»، الجد الأعلى للنبى عليه الصلاة والسلام، أو «أسعد أبوكرب» ملك حمير ( اليمن ) والمعروف بإسم «تبّع حمير» وهو أول من كساها بالخصف ثم بالمعافير والملاء والوصائل بعد غزوة يثرب وذلك قبل الهجرة بحوالى 220 عاماً ، وتبعه بعد ذلك خلفاؤه ، ثم تولت قريش أمر الكسوة بالتعاون مع بقية القبائل حتى جاء «أبوربيعة بن المغيرة المخزومى»، وكان غنياً فاحش الثراء فقال : أكسوها عاماً ، وتكسوها قريش عاماً، وكان يكسوها بالجلد ، لذا لقب بالعادل، ثم كستها أم عمربن الحكم السلمى بشعر وبر الجمال ، كما كساها خالد بن جعفر بن كليب بالديباج.

وتصنع الكسوة الخارجية من الحرير الأسود وتجدد سنوياً ، أما الكسوة الداخلية فتصنع من الحرير الأحمر، وتجدد كلما بليت، أما كسوة الحجرة النبوية الشريفة فتصنع من الحرير الأخضر المطرز باللون الأبيض ومكتوب فوقها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

كما يتم كسوة مقام سيدنا إبراهيم ومنبر المسجد الحرام، بينما مفتاح الكعبة فيصنع من الحرير الأخضر المزركش بالخيش الأصفر المطلى بالبندق الأحمر .

والمحمل عادة عربية قديمة إرتبطت بوجود الجمل فى الجزيرة العربية حيث إستخدم الجمل فى حمل الهدايا إلى الكعبة قبل الاسلام ، ولقد أرسل النبى محمد صلى الله عليه وسلم المحمل بهدايا الكعبة عام 9هـ فى أول الحكم الاسلامى عندما نزلت فريضة الحج.

 

ولقد كان الحجاج بن يوسف الثقفى أول من سيّر المحمل الشامى إلى الحجاز منذ عام 72هـ -74 هـ .

ولقد كانت هناك سبعة محامل عربية تصل إلى مكة كل عام غير المحمل المصرى وهى: المحمل الشامى، العراقى، اليمنى، المغربى، التركى، التكرورى، المغربى ، ولقد تميز المحمل المصرى بالتفوق فى الصناعة والتنظيم والإحتفال.

وفى أثناء الحج تتجمع هذه المحامل لتصل إلى عرفات مصاحبة بالموسيقى العسكرية والمزمار البلدى وطلقات المدافع والبنادق.

ولقد برز لقب أمير الحج وكان الخليفة أبوبكر الصديق رضى الله عنه أول أمير للحج الإسلامى عام 9هـ ، ثم توالى الأمراء من الدول الأخرى .

 

وحين برزت أسرة آل سعود وأمسكت بتقاليد الحكم فى المملكة كان أول قرار للملك عبدالعزيز بن سعود بإنشاء أول مصنع لتطريز كسوة الكعبة المشرفة فى منطقة أجياد بمكة وذلك فى الفترة من 1926 – 1936 م، وكان السبب سياسياً فى المقام الأول والذى يمثل إنقضاء عهد السيادة المصرية على منطقة الحجاز، كما أن تقاليد المحمل فى دق الطبول والمزامير لم تكن تتوافق مع تقاليد المذهب الوهابى، كما أن الأزمات قد إحتدمت بين الدولتين من جهة وبين جيوش الملك عبدالعزيز سلطان نجد آنذاك وبين الشريف حسين على ملك الحجاز وانتهت الأزمة بتنازل الشريف حسين عن الحكم عام 1924 م ، وتم الإعتراف رسمياً بالدولة السعودية المستقلة فى عهد الملك فاروق ملك مصر آنذاك، وعندئذ أمر الملك سعود – رحمه المولى عز وجل – بإنشاء مصنع لكسوة الكعبة بصالة وزارة المالية السعودية فى منطقة ” جردل ” وإستمر بها ، الى أن تم إنشاء مصنع مستقل بمنطقة «أم الجود» وتم إفتتاحه رسمياً عام 1977 م فى عهد الملك خالد بن عبدالعزيز – رحمه الله – وهو مستمر فى عمله إلى الآن .

ولقد كانت فكرة كسوة الكعبة تمثل رمز التواصل بين أطراف العالم العربى والإسلامى كما يقول محمد على السيد فى كتابه «من دروب الحج فى مصر»، كما حملت الكسوة أسماء الملوك من أسرة آل سعود حتى الآن فى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز.

 

ولقد إهتم الملوك والسلاطين والحكام العرب بأمر الكسوة لأنها كانت تمثل الزهو والفخار والسيادة واللقب العظيم «خادم الحرمين الشريفين» ، ولقد إهتم محمد على بك الكبير والى مصر بأمر الكسوة فقام بإنشاء دار الكسوة فى منطقة «الخرنفش “بالقاهرة عام 1233هـ – 1818م ، وإستمرت الكسوة تصنع فى مصر وفى البلاد العربية على عهد المماليك مروراً بصلاح الدين الأيوبى حتى عهد الظاهر بيبرس وشجرة الدر والظاهر بيبرس حتى عهد عباس حلمى والملك فؤاد الأول ملك مصر .

ولقد كانت شجرة الدر ثالث امرأة تكسو الكعبة بعد نتيلة بنت حباب أم العباس بن عبدالمطلب – فى الجاهلية – ثم أم عمر بن الحكم السلمى .

أما أمر حجابة الكعبة فقد أسند لبيت الشيبى «شيبة الحمد» بمكة المكرمة قبل ظهور الإسلام بـ1500 عام ، ولقد أعطاهم النبى محمد صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة يوم فتحها فأصبحوا فى حق لاينازعهم فيه منازع إلى يوم القيامة.

 

ولقد كانت الكعبة تغسل بماء الورد وتطيب بالعطور، ولقد أبقى النبي الكريم على أمر الكسوة وقال يوم فتح مكة: «هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى