ملخص لدولة الموحدين
ملخص لدولة الموحدين :
خرجت جيوش محمد بن تومرت في سنة521هـ/1127م متوجهة لعاصمة المرابطين مراكش بهدف الإستيلاء عليها للقضاء على دولتهم ؛ وجعل على رأسها الونشريشي و علي بن عبد المؤمن قائدين فحصاروها ودارت مناوشات بين الطرفين وكتب أمير المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين إلى القبائل الإسراع لنجدته فجاءت اليه النجدات من كل صوب، و خرج لقتال الموحدين و جعل محمد بن سير قائدا لقواته .
اشتبك الطرفان في معركة مروعة استمرت من الصباح حتى الغروب قتل فيها في بداية النهار الونشريشي، فخلفه عبدالمؤمن في قيادة الجيش.ولما رأى المصامدة كثرة المرابطين وقوتهم اسندوا ظهورهم البستان هناك، والبستان عندهم يسمى البحيرة ؛ فسميت معركة البحيرة.
وما أن جن الليل حتى قتل معظم المصامدة ففر عبدالمؤمن بنفر يسير لايتجاوز الاربعمائة مابين فارس وراجل وتابع عبدالمؤمن مع من نجا من القتل سيره نحو تينملل وعندما وصل إلى هيلانة استعاد أنفاسه وحشد جنوده وأعاد الكرة على مراكش فهزم أيضاً وقتل من اتباعه نحواً من اثني عشر ألفاً فعاد أدراجه مع خمسين رجلاً من أتباعه ألى تينملل ..
واستثمر المرابطون فوزهم في البحيرة وأسرعوا بإرسال أربعة جيوش بقيادة أربعة من مشاهير قوادهم الى تينملل للقضاء على الموحدين في معقلهم الحصين، إلا أنه لم يحدث قتال بينهما. بعد ان تدفقت النجدات علىالموحدين من هنتانة وكنفيسة ومزالة فرجعوا إلى مراكش.
ترددت أصداء هزيمة البحيرة بين قبائل الموحدين فزلزلت ثقتهم بابن تومرت، فالمهدي مؤيد من السماء فكيف يهزم من كان حليفه الله… وترتب على هذا التساؤل إعادة النظر في عقيدة المهدي .
ورأى ابن تومرت في قرارة نفسه ان الهزائم التي منيت بها قواته ماهي إلا نذير شؤم للاطاحة بكل مخططاته التي سخر حياته من أجلها ؛ و أدى به الحزن إلى مرضه الذي أودى بحياته بعد فترة وجيزة عام 524هـ ، 1130م .. بعد أن أمر علي الموحدين عبدالمؤمن بن علي، وطلب منهم السمع والطاعة له .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
️ عبدالمؤمن بن علي
هو عبدالمؤمن بن علي بن عَلَوي، سلطان المغرب الذي يلقب بأمير المؤمنين، الكومي، النفيسي، المغربي.ولد بأعمال تِلمِسان. وكان أبوه يصنع الفخار (*1).
قيل: إنه قال: إنما نحن من قيس بن غيلان بن مُضر بن نزار، ولكومية علينا حق الولادة، والمنشأ فيهم، وهم أخوالي(*2).
وكان الخطباء إذا دَعَوا له بعد بن تومرت، قالوا: قسيمُهُ في النسب الكريم، وكان مولده سنة سبع وثمانين وأربع مائة(*3) وصفه الذهبي فقال: (وكان أبيض جميلاً، ذا جسم عَمَمٍ (ضخم)تعلوه حمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، جهوريّ الصوت، فصيحاً جَزْل المنطق، لايراه أحد إلا أحبه بديهة، وكان في كبره شيخاً وقوراً، أبيض الشعر، كثَّ اللحية، واضح بياض الاسنان، وكان عظيم الهامة، طويل القعدة، شَثْن الكفِّ، أشهل العين. (*4)
عندما رجع ابن تومرت إلى إفريقية هو ورفيقه الشيخ عمر الهنتاني صادف عبدالمؤمن، فحدَّثه ووانسه، وقال: إلى أين تسافر؟ قال: أطلب العلم. قال: قد وجدت طلبتك. ففقهه، وصحبه، وأحبه، وأفضى إليه بأسراره لما رأى فيه من سمات النُّبل . (*5)
كان بن تومرت يعمل على أن يكون عبدالمؤمن صورة حقيقية له ولذلك أعده الإعداد اللازم للقيادة والزعامة والرياسة وعلمه ودربه وأمر أتباعه بإطاعته عبدالمؤمن في كل مايقول وأن يقتدوا به في كل ما يفعله وكان ذا فطنة وموهبة فعرف كيف ينهض وينظم الدولة ويسير بها خطوات ناجحة لكي تتبوأ دولة الموحدين الزعامة والسياسة في عالم المغرب والأندلس . (*6).
—————-
بايع أصحاب ابن تومرت المقربين عبدالمؤمن بن علي في شهر رمضان 524هـ وقد أطلق المؤرخون على هذه البيعة الخاصة، لأن موت ابن تومرت ظل في طي الخفاء أكثر من سنتين ثم بايع الموحدون عبدالمؤمن البيعة العامة ق في 20 ربيع الأول سنة 526هـ وقيل 527هـ وذلك بجامع تينملل.
وقد اختار الموحدون عبدالمؤمن لزعامتهم لما عرفوه من اختصاص بن تومرت له وتقريبه إليه وإطرائه لصفاته وتقديمه إياه في الصلاة إلى مالمسوه من فضله وعلمه ودينه وقوة عزيمته وحسن سياسته ورجاحة عقله وشجاعته(*7).
وكان هناك سبب آخر جعل زعماء الموحدين يبايعون عبدالمؤمن ألا وهو أن عبدالمؤمن، كومي وليس من المصامدة وهذا يضع حداً لتطلع زعماء القبائل إلى هذه الخلافة، وبالتالي ستقضي على الخلافات التي كان وقعها محتملاً بين قبائل المصامدة في سبيل الزعامة.
وكان مجلس المقربين هؤلاء لا يتركون لعبدالمؤمن العنان ليستبد بهم، ولا يتيحون له الفرصة لأن ينفرد في قرارات الحكم بل نجدهم يناقشون وينتقدون عبدالمؤمن ويتجرؤون عليه وقد وصل الحال ببعضهم أن قتل أخا عبدالمؤمن، لمّا جاء لزيارة أخيه الخليفة وجلس في المكان المخصص له. فما كان منه إلا أن غضب لنفسه واعتبر ذلك إهانة له، فثار بأخي عبدالمؤمن الخليفة وقتله. ولما غضب عبدالمؤمن وأراد الاقتصاص من قاتل أخيه، وقف الموحدون في وجهه ومنعوه من ذلك (*8).
ويروي البيذق هذا الحادث ضمن أخبار سنة ستة وثلاثين وخمسمائة (536هـ) فيقول
: “وفيها جاء ابراهيم إلى الخليفة أمير المؤمنين بالتوحيد وأعطاه الخليفة الخيل والعبيد والخباء. وأنزله في موضع محمد بن أبي بكر بن بيكيت. فتغابر ابراهيم أخو الخليفة مع محمد بن أبي بكر بن بيكيت. فقتله محمد بن أبي بكر ابن بيكيت. فقام له أبو حفص وأبو الحسن يوكوت بن واكاك وقالا له: ألم يقل المهدي: بأن الجماعة وصبيانهم عبيدهم كل من في الدنيا. فصمت عند ذلك الخليفة..) .. (*9).
لقد أسرّها عبدالمؤمن في نفسه وشرع في أخذ الخطوات التي آلت للقضاء على نظام الطبقات الذي وضعه ابن تومرت ووضع نظاماً جديداً يكرّس الولاء لشخصه وأسرته ؛ ..
ويبدو أن عبدالمؤمن كان لايعتقد اعتقاداً راسخاً في عصمة ابن تومرت ومهديته وإلا فكيف يتجرأ على نسف ما وضعه بن تومرت بعد أن مهد لذلك وجعل الزمن جزءً من هدفه.
لقد كان الظلم في تعاليم بن تومرت واضحاً هذا خليفة الموحدين يقتلون أخاه ويمنعونه من الأخذ بالقصاص من القاتل بحجة أن القاتل من أهل الجماعة وكل من في الأرض عبيد لهم، لاشك أن ذلك الحدث أثر في عبدالمؤمن بن علي.
——————————————————————–
️ خطوات عبد المؤمن بن علي لإسقاط دولة المرابطين
تولى عبدالمؤمن بن علي قيادة الموحدين في ظروف حالكة منذرة بالفتنة وكانت مهمته عسيرة وصعبة، فقد كان عليه أن يعيد الثقة الى نفوس الموحدين بعد هزيمة البحيرة وأن يعيد تنظيم صفوفهم تمهيداً للمعركة المقبلة الفاصلة.
ولهذا السبب شغل طوال الشهور الأولى من خلافته في رأب الصدع، وتأليف القلوب وتعبئتها لمدافعة المرابطين، فلما تم له ذلك اعتزم مواصلة القتال ضد المرابطين، فكانت أولى غزواته كخليفة على حد مارواه ابن أبي زرع موجهة إلى مدينة مراكش فقد هاجمها أياماً ثم ارتحل عنها(*10)،
غير أن ابن *القطان وابن خلدون يتفقان على أن أول غزواته هي غزوة (تادلة) في وادي درعة، وفيها خرج عبدالمؤمن من تينملل في شهر ربيع الأول سنة 526هـ في جيش ضخم قوامه ثلاثون ألف مقاتل، فسار أولاً نحو حصن (تازا جورت) وكانت تدافع عنه حامية مرابطية بقيادة (يدر بن ولكوط) وقيل يحيى بن مريم الزرجاني. (*11)؛ (*12)،
فتمكن عبدالمؤمن من اقتحام الحصن وقتل واليه وقتل معه نحو عشرين ألفاً من المرابطين، وهو رقم مبالغ فيه .
فليس من المعقول أن يضم أحد الحصون المرابطية عشرين ألف مقاتل، وهذا رقم من الصعب تصديقه اذا أخذنا بالاعتبار كثرة عدد القلاع والحصون المرابطية في المغرب فضلاً عن انشغالهم بالجهاد ضد النصارى في الأندلس.
—–
رحل عبدالمؤمن عن تازجورت بعد أن سبى ميمونة بنت ينتان بن عمر أرملة والي الحصن المذكور وصحبها معه إلى تينملل، حيث ظلت أسيرة لديه حتى أفتديت فيما بعد، بمن كان في تلمسان من أسرى الموحدين، ثم سار عبدالمؤمن الى درعة واستولى عليها، كما استولى في نفس العام 526هـ على حصن هزرجة، فقد اقتحمه وأحرقه وقتل معظم حاميته
ومنها سار الى بلدة جثجال وأضرم فيها النيران وقتل أهلها، ثم سار إلى بلدة أجلاحال، وكان أهلها قد قتلوا أحد أصحاب ابن تومرت وامرأته في يوم العيد، فجمع عبدالمؤمن أهلها وقتل منهم مايزيد على ثلاثمائة رجل
وفي نفس العام استولى الموحدون على حصن جلاوة افتتحه الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي أحد أصحاب ابن تومرت العشرة ومعه بعض وجوه الموحدين، وكان أهل الحصن قد جرحوا ابن تومرت في احدى غزواته، فدخله الموحدون عنوة وقتلوا كل من فيه
وفي هذا العام أيضاً حاصر الموحدون حصن تاسيغيموث أمنع حصون المرابطين ولما يئسوا من فتحه لمناعته لجأوا الى الحيلة فداخلوا بعض أفراده من حامية الحصن وتواطئوا معهم على فتحه، فأقتحموه ليلاً، وقتلوا أبو بكر بن واصول اللمطي واليه المرابطي ومن معه من المرابطين، ونقلوا أبواب الحصن الحديدية الى تينملل (*13)
عاد عبدالمؤمن إلى تينملل، وكانت قد وقعت خلال غيبته حادثة خطيرة تتلخص في اقدام عبدالله بن ملوية أحد أصحاب بن تومرت العشرة، على شق عصا الطاعة على عبدالمؤمن بن علي أثناء غيابه عن تينملل وإعلانه الطاعة لأمير المسلمين علي بن يوسف المرابطي الذي لم يتردد في اعلان رضاه عن ابن ملوية، ووضع تحت تصرفه قوة عسكرية مرابطية لمهاجمة تينملل،
و سار ابن ملوية بتلك القوة الى موضع يسمى تامد غوست قاعدة قبيلة جنفيسة بهدف استمالتها الى جانبه من ثم يزحف بقواته المجتمعة الى تينملل، ..
غير أن عبدالله بن وسيدرن أحد زعماء جنفيسة المقيمين في تينملل جمع شيوخ جنفيسة وأعلنوا تمسكهم بالعهد الذي قطعوه لابن تومرت، ونعوا إلى ابن ملوية تلك الخيانة وفي الحال قام أبو سعيد بن الحسن آتيكي أحد أهل الخمسين ومعه غلامه، وسارا الى محلة ابن ملوية وقتلاه، وحملا جثته الى تينملل حيث صلبت، ولما عاد عبدالمؤمن وعلم بما حدث شكر لجنفيسة اخلاصها وقسم الغنائم عليها(*14).
ويبدو أن عبدالله بن ملوية لم يكن متطلعاً للزعامة وإنما أراد الرجوع إلى الحق والتوبة وخصوصاً وهو أحد العشرة الذين يعرفون الكثير من كذب وباطل وظلم وجور مارسه ابن تومرت بدون مسوغ شرعي ولذلك أعلن طاعته لأمير المسلمين علي بن يوسف.
وفي عام 526هـ حدث أمراً عظيماً يحمل في طياته مغزى عظيماً ومبشراً بقرب أفول عهد المرابطين، فقد انضم القائد المرابطي المشهور الفلاكي(*15) ومعه طائفة من جنده الى الموحدين، وكان الفلاكي من أهل اشبيلية وكان في بداية أمره شقياً وقاطع طريق، ثم تاب فعفا عنه والي اشبيلية، وقدمه على الرماة والرجالة، ثم انتقل الى خدمة أمير المسلمين علي بن يوسف، الذي قدمه على فرقة من جند المرابطين ووجهه الى السوس لمدافعة الموحدين، فجد في محاربتهم وأظهر بطولة وشجاعة نادرتين،
ثم لم تلبث العلاقات بينه وبين أمير المسلمين أن ساءت فانضم الى الموحدين، وأخذ يهاجم الحصون المرابطية الواقعة في منطقة السوس، ويفعل بها مثلما كان يفعل في الحصون الموحدية من قبل، وظل في خدمة الموحدين الى أن ارتد بعد ذلك عن الطاعة وعاد إلى طاعة المرابطين.
———–
وفي عام 528هـ قتل قائد المرابطين ابراهيم بن يوسف بن تاشفين واستطاع الموحدون فتح مدينة تارودنت أعظم معاقل المرابطين في بلاد السوس.
وفي عام 529هـ سار عبدالمؤمن لغزو بني (بيغز ) وظل عبدالمؤمن يحاصرهم نحو أربعين يوماً، فلما يئس من اخضاعهم رفع الحصار وعاد الى تينملل ..
واستمر الصراع من عام 531هـ، 532هـ وفي هذا العام 532هـ تحرك عبدالمؤمن من تينملل الى جبل غياثة، فعسكر بجرائده على مقربة من المقرمدة عند وادي (أبي حلوا) كما انضمت اليه قوة عسكرية يتولى قيادتها عبدالله بن يحيى بن أبي بكر بن تيفلويت، فعسكرت بالقرب من محلة سير،
وفي نفس الوقت حشدت زناتة الموالية للمرابطين خمسة آلاف فارس يتقدمهم يحيى بن (فانو) غير أن زيري بن (ماخوخ) أحد شيوخ زناتة لم يلبث أن أعلن انضمامه إلى الموحدين، وراسل عبدالمؤمن بن علي وطلب منه عسكراً لمهاجمة عسكر المغرب الذي يقوده عبدالله بن يحيى بن أبي بكر، فأمده بقوة موحدية، أغار بها على محلات عسكر المغرب، وألحق بهم خسائر فادحة.
وفي نفس الوقت توفي القائد يحيى بن فانو قائد العسكر الزناتي الموالي للمرابطين، فأسند الأمير سير القيادة الى القوة الزناتية لمحمد بن يحيى ابن القائد المتوفي، الذي واصل سيره بقوات أبيه حتى نزل على مقربة من وجده.
وكانت الأنباء قد وصلت إلى سير بن علي بأن عبدالمؤمن يريد بلاد غماره، فوضع له سير ألفي فارس في طريقه ليمنعه من تحقيق هدفه، واستمرت هذه القوات المرابطية مايقرب من الشهرين تتناوب حراسة الطريق ومراقبة تحركات عبدالمؤمن.
وفي أثناء ذلك راسل زيري بن ماخوخ ذويه من زناتة واتفق معهم على أن يخذلوا المرابطين في المعركة المقبلة بين المرابطين والموحدين فأرسل عبدالمؤمن سرية من جنده مع زيري بن ماخوخ، خرجت من جبل غياثة الى محلة زناتة، وهاجمتها، ونشبت بين الفريقين معركة انهزمت فيها زناتة (*16).
وفي عام 533هـ تحرك عبدالمؤمن بن علي من تينملل، ونزل في بلد ملول من منانة في أراضي حاحة، فزحف اليه الامير تاشفين بن علي بن يوسف ولي عهد المرابطين من مراكش ومعه (الروبرتير) قائد فرقة الجند للمرابطين، ونزل تاشفين بقواته في( تاحكوط) في (حاحة)، ..
وكان علي بن يوسف قد قتل عدداً من أعيان قبيلة منانة، وكان ذلك سبباً في دخولها في طاعة الموحدين ولكنها ارتدت عن الطاعة ثلاث مرات، فأقام عبدالمؤمن في بني ملول شهراً وثلاثة أيام، وهو يشن عليهم الغارات، ثم تركهم وسار بعد ذلك الى قبيلة بني( وجدزران) ثم إلى بني سوار من منانة الجبل .. وكان أبو بكر بن علي بن يوسف قد قتل أشياخهم وأعيانهم لدخولهم في طاعة الموحدين ..
ثم سار عبدالمؤمن الى (أجر فرجان)، فتبعه تاشفين بن علي في قواته وسد عليه الطريق، فنشبت في (أجر فرجان) معركة عنيفة بين الفريقين، هزم فيها تاشفين، وتكررت هزيمته ثلاث مرات الى أن فر بنفسه الى جهة (الميزتانوت)، فاستولى الموحدون على أسلابه من السلاح والثياب والدواب والعبيد …
وفي هذه اللحظات وصلت قوة مرابطية من مراكش مدداً لتاشفين ولكنها وصلت بعد فوات الأوان أي بعد هزيمة تاشفين، فطمعوا في انتزاع الغنائم من الموحدين، فلما علم عبدالمؤمن بذلك لجأ إلى الحيلة فأمر برصد الكمائن في مضايق الجبل وقدم الغنائم بين يديه اجتذاباً للقوة المرابطية التي كانت من قبيلة جزولة وأمر الكمائن بالاندفاع نحوهم اذا ماسمعوا قرع الطبول.
نجحت خطة عبدالمؤمن بن علي نجاحاً تجاوز كل تقدير في الحسبان، فقد هاجمت جزولة ساقة الغنيمة وقتلت بعض حراسها، فلما توسطوا مواضع الكمائن، دقت الطبول فجأة، فاندفعت الكمائن صوب جزولة فأبادوهم عن آخرهم واستولوا على أسلحتهم ودوابهم وما إن تم لعبدالمؤمن ذلك حتى تراجع صوب بلاد جنفيسة.
وفي عام 534هـ ، خرج الأمير تاشفين بجيش ضخم من لمتونة وزناتة لقتال الموحدين وانضمت اليه فرقة بقيادة الروبرتير، وتمكن المرابطون من حصارهم في موقع يقال له تيزعور مايقرب من شهرين، وشددوا عليهم الحصار وقطعوا عنهم الميرة حتى اضطر الموحدون الى أكل حيواناتهم، ثم نشبت بين الفريقين معركة عنيفة رجحت في بدايتها كفة المرابطين ولكنها انتهت بهزيمتهم وانسحاب تاشفين الى مراكش حاملاً معه الروبرتير جريحاً.
وفي عام 535هـ (1140-1141م) ، خرج الجيش المرابطي من مراكش بقيادة (الروبرتير)، فاشتبك مع الموحدين بقيادة الخليفة عبدالمؤمن بن علي في مكان يسمى (امسيميصي) يقع في أرض كدميوه شمال تينملل وقيل ان اللقاء حدث بجبل خدميره، و يؤكد ابن عذارى حدوث قتال بين قوتي المرابطين والموحدين، وأن المعركة انتهت بهزيمة المرابطين وعودة (الروبرتير) جريحاً الى مراكش.
ثم عاد الروبرتير الى الخروج بقوات لمتونة، واشتبكت قواته مع قوات عبدالمؤمن بموضع يسمى اكظرور، فهزم المرابطون، وارتد الروبرتير في فلوله جريحاً إلى مراكش، وعاد عبدالمؤمن الى تينملل(*17).
واصل عبدالمؤمن بن علي صراعه ضد المرابطين، فخرج في قواته نفس العام – 535هـ – وحاصر حصن تينلين، وكان يدافع عنه واليه المرابطي يركين ابن وبدرن، واستمر يحاصر الحصن ثلاثة أيام، اضطر بعدها إلى فك الحصار والاتجاه نحو بلاد السوس، وذلك عندما علم بتحرك قوات المرابطين بقيادة الروبرتير صوب (تينلين)،..
ومع ذلك فقد تمكن عبدالمؤمن من فتح بعض حصون المرابطين في السوس من بينها (ايرمناد، وتاسلولت وتيونوين وايجلي ) وغيرهم
وفي نفس الوقت هاجم الروبرتير محلة تيغيغايين الموحدية، وسبى نساءها وأخذهن معه إلى مراكش. أما عبدالمؤمن فقد عاد من غزوته في أرض السوس وكان من جملة سباياه فيها ” تما كونت ” ابنة ينتان بن عمر أحد وزراء علي بن يوسف، التي رجته أن يعفو عنها ويطلق سراحها، وذكرته بشفاعة أبيها ينتان بن عمر في ابن تومرت، عندما كان ماراً بمراكش،وحاول الفقهاء تحريض امير المسلمين علي بن يوسف على التنكيل به،..
لم يتردد عبدالمؤمن في قبول رجائها وأمر على الفور باطلاق سراح جميع النساء وأرسلهن إلى مراكش معززات مكرمات، فأعجب علي بن يوسف بصنيع عبدالمؤمن وأمر بدوره باطلاق سراح سبايا (تيغيغايين) وأرسلهن آمنات مكرمات الى تينملل .
رأى عبدالمؤمن بن علي بعد تلك الانتصارات التي أحرزها الموحدون على المرابطين أن ينقل مسرح الصراع الى قلب دولة المرابطين مستهدفاً القضاء عليها واسقاطها، وشرع في تنفيذ تلك الخطة في بداية 535هـ …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*1) انظر: سير اعلام النبلاء (20/366)
(*2) نفس المصدر …….. (20/366)
(*3) نفس المصدر …….. (20/367)
(*4) انظر: سير اعلام النبلاء (20/367،368)
(*5) انظر: النجوم الزاهرة (5/363)
(*6) انظر: موسوعة المغرب العربي للغنيمي
ص(3/203 ، 204)
(*7) انظر: تاريخ الإسلام د. حسن ابراهيم (4/208)
(*8) انظر: سقوط الموحدين ص (51،52)
(*9) اخبار المهدي للبيذق ص (93)
(*10) انظر: تاريخ المغرب والأندلس د. مهدي عبدالمنعم
ص (111)
(*11) نفس المصدر ص (111)
(*12) نفس المصدر ص (111)
(*13) انظر: تاريخ المغرب والأندلس ص (113 ، 114)
(*14) انظر: تاريخ المغرب في الأندلس ص (114)
(*15) انظر: دولة المرابطين ص (127)
(*16) انظر: تاريخ المغرب والأندلس ص (117)
(*17) انظر: تاريخ المغرب والأندلس ص120
☆ دولة الموحدين .د. علي الصلابي الفصل الثاني مختصر