كتابنا

جمال اسعد يكتب:الحوار الدينى

جمال اسعد يكتب:الحوار الدينى

الحوار الموضوعى الذى يعطى الفرصة لطرح الرأى فى مقابل الرأى والحجة فى مواجهة الحجة هو حالة متحضرة وراقية تساعد وتساهم فى إيجاد مناخ تعايشى وتشاركى يحترم فيه كل واحد رأى وتوجهات وعقيدة الآخر.

وقد كانت الأديان هى أول من أكدت على وجود هذا الحوار وممارسته حماية وتأكيدا على حرية العقيدة التى أراد لها الله التعددية، تلك التعددية التى تتوافق مع فلسفة ومنهجية الحياة لكى تكون أهم ركيزة للتطور الإنسانى والكونى.
(لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين) (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم) (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). وعلى تلك القاعدة وهذه الرؤية وجدنا السيسى وفى ختام المؤتمر الاقتصادى يقول: اعملوا مؤتمر للدين ونقعد ونتكلم بمنتهى الصراحة. اللى رافض واللى هيتهمنا بأننا موش مسلمين. هاتوا ده وهاتوا ده. وأضاف: مش احنا هنا مواطنين كلنا كل واحد بعقيدته حتى اللى بيقول مفيش… قول… هو أنا خايف تقول حد يجي معاك؟ والعزيز تجيلوا زاحف مش أزقك عليه …عرفتوا ليه بنختلف مع التيار؟

هذه ليست المرة الأولى التى يتحدث فيها السيسى ويثير قضية الخطاب الدينى أى الفكر الدينى الذى هو فكر البشر فى تفسير وتأويل النص الدينى. ذلك الفكر البشرى غير المقدس، والذى يحتاج طوال الوقت إلى ذلك الحوار الموضوعى حتى لا نقدس غير المقدس ولا نحول البشر إلى مقدسين، حيث لا قداسة لغير الله سبحانه. هنا وبكل صراحة وموضوعية وإيمانا منا بأهمية وخطورة هذه القضية، حيث إن قضية الفكر الدينى هو القضية المركزية التى تشكل الفكر الجمعى المصرى.

وذلك لما للدين من أهمية تحدد مسار الحياة وتحكم مصير الآخرة. ولنا هنا أن نطرح تلك الأسئلة حتى نحدد أساليب الحوار ومنهجيته للوصول بالنتائج المرجوة بل المطلوبة وبإلحاح. من هم الذين ستتم دعوتهم؟ هل هم رجال الدين من المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية فقط وهم ونحن نعلم تمام العلم منهجهم ودعوتهم التى تتمسك بما هو قائم من منطلق أن المؤسسة الدينية هى وحدها التى تعلم وتعرف ولا يجب سماع أى رأى غير رأيها!! اعتمادا على المثل الشعبى (اللى نعرفه أحسن من اللى متعرفوش)؟.

هل ستتم دعوة من لهم رأى ورؤية تختلف مع رؤية تلك المؤسسات، وهم لهم رؤيتهم واجتهاداتهم التى لا تبتعد عن المقاصد العليا للأديان؟ فى الوقت الذى تقوم فيه المؤسسة الدينية برفع دعاوى تحت ما يسمى ازدراء الأديان حسب المادة ٩٧ ومن قانون العقوبات على بعض هؤلاء؟ يقول الرئيس لا بد من الحوار مع المسلم والمسيحى وغير المؤمن بالإسلام والمسيحية. وهذا شىء جميل وخطوة متقدمة من ممارسة حرية الرأى وحرية العقيدة.
ولكن كيف يتم تحديد هؤلاء. هل هم من يختلفون مع المؤسسات الدينية؟ أم من يعلنون عدم الإيمان بالأديان؟
وفى ظل المناخ الذى نعيشه فى إطار الفكر الدينى السائد والمسيطر على مجمل الفكر الدينى الآن،. هل يمكن أن يستوعب رجال المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية الجلوس والحوار مع تلك النوعية؟ والأهم ما هو الهدف الأساسى المحدد مسبقا للوصول إليه من هذا الحوار؟ وهل التوصيات الناتجة عن هذا الحوار ستكون موضع اهتمام وتطبيق أم ستكون مثل عشرات المؤتمرات السابقة؟ ومن هى الجهة المنوط بها الاختيار وتوجيه الدعوة. هل ستكون تلك الجهات هى الأزهر والكنيسة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ستدعو الكنيسة جمال أسعد مثلا؟!!!!!!
القضية مهمة جدا ولذلك لا يقتصر الأمر على مثل هذا المؤتمر بالرغم من أهميته. ولكن تغيير الفكر الدينى هو مسئولية جماعية فى المقام الأول. مسئولية المؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية والأسرية. والأهم هو إرجاع الدين إلى إطاره الايمانى المتمثل فى علاقة الإنسان بالله تلك العلاقة الخاصة والتى لا يعلمها ولا يدركها غير الله. “لا يعلم الإنسان غير روح الإنسان الساكن فيه” “الله هو حده فاحص القلوب والكلى”. فلنفعل عقولنا وننشط أفكارنا ونناقش حتى نؤمن ذلك الإيمان الصحيح وغير الموروث على أرضية اجتماعية أو عائلية أو مصلحية أو أيديولوجية . فالإشكالية الحقيقية فى رفض الآخر الدينى وغير الدينى هى التعامل مع الدين كأيديولوجية لتحقيق المصالح الذاتية والقبلية والجهوية والتنظيمية. ومن محاسن الصدف أن يعقد هذا الأسبوع مؤتمر فى البحرين حول تلك القضية بحضور شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان وملك البحرين. وأهم مخرجات هذا المؤتمر هى دعوة الإمام الطيب لحوار بين السنة والشيعة. حيث مطلوب أيضا حوار حقيقى بين الطوائف المسيحية. لأن هذا الحوار بين الطوائف فى الدين الواحد هو البداية الصحيحة لتصحيح الفكر الدينى وقبول أى آخر، حمى الله مصر وشعبها العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى