أحمد مدحت يكن باشا: رائد من الإسكندرية ساهم في تأسيس الاقتصاد الوطني الحديث
أسماء صبحي
في قلب مدينة الإسكندرية، ولد أحمد مدحت يكن باشا عام 1878، لعائلة ذات أصول تركية تنتمي إلى نخبة الدولة العثمانية في مصر. وقد ساهم في بناء مصر الحديثة سياسيًا واقتصاديًا خلال النصف الأول من القرن العشرين. إذ شغل مناصب بارزة، كان لها تأثير مباشر على تطور مؤسسات الدولة، من بينها وزارات الأوقاف والزراعة والخارجية. كما كان أول رئيس لبنك مصر، أحد أهم أعمدة الاقتصاد المصري الوطني.
نشأة أحمد مدحت يكن
نشأ يكن باشا في بيئة مثقفة، حيث تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية بالإسكندرية. ثم سافر إلى أوروبا لاستكمال دراسته في القانون. وعند عودته إلى مصر، التحق بالسلك القضائي، حيث شغل منصب مساعد نيابة بالمحاكم المختلطة. وبفضل كفاءته، اختاره بطرس غالي باشا ليعمل سكرتيرًا له بوزارة الخارجية. وهو ما منحه خبرة واسعة في العلاقات الدولية والإدارة العامة.
في عام 1917، تولى أحمد يكن منصب محافظ الإسكندرية. وهو المنصب الذي شكّل نقطة تحول في مسيرته. فقد كانت المدينة في تلك الفترة تمر بتقلبات اقتصادية واجتماعية نتيجة الحرب العالمية الأولى. لكنه نجح في تنظيم الشؤون البلدية، ودعم حركة التجارة والنقل البحري في الميناء. كما فرض النظام في مدينة كانت تعج بالجاليات الأجنبية والتحديات الاقتصادية.
وزير الأوقاف والزراعة
أظهر يكن باشا اهتمامًا كبيرًا بالقطاع الزراعي خلال فترة توليه وزارة الزراعة. فدفع نحو تطوير أساليب الري، وتحسين أحوال الفلاحين، وساهم في إصدار تشريعات لتنظيم توزيع الأراضي. كما قاد جهودًا واسعة في وزارة الأوقاف، واهتم بتطوير المؤسسات التعليمية التابعة لها. بما فيها المعاهد الدينية التي ساهمت في نشر الثقافة والتعليم في الريف.
في عام 1920، كان أحمد يكن من أوائل الداعمين لفكرة طلعت حرب في تأسيس بنك مصر، وعين أول رئيس لمجلس إدارة البنك. وقد لعب دورًا محوريًا في توفير رأس المال اللازم لإقامة مشاريع صناعية وطنية مثل شركة مصر للغزل والنسيج، ومصر للطيران، ومصر للتأمين. وقد شكل هذا البنك خطوة جريئة نحو الاستقلال الاقتصادي، بعيدًا عن الهيمنة المالية الأجنبية. التي كانت تتحكم في البنوك التجارية في مصر.
ويرى الدكتور عبدالرحمن عيسى، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة الإسكندرية، أن أحمد مدحت يكن باشا كان يمثل نموذجًا مبكرًا لرجل الدولة الذي فهم أن قوة الدولة لا تقوم فقط على مؤسساتها السياسية، بل أيضًا على اقتصادها المستقل. ومن خلال دوره في بنك مصر، ساهم في خلق وعي اقتصادي وطني لدى المصريين.
ورغم رحيله عام 1944، لا تزال إنجازات أحمد مدحت يكن حاضرة في تاريخ الإسكندرية الحديث. فقد كان من أوائل السياسيين الذين دمجوا بين الإدارة الحديثة والرؤية التنموية. وأسهم في إرساء البنية الأساسية لمؤسسات اقتصادية ما زالت قائمة حتى اليوم. كما أن ذكراه باقية في وثائق دار المحفوظات ومكتبة الإسكندرية، التي تحتفظ بسجلات لمسيرته المهنية.
