“اسبتالية المجاذيب”.. قصص وحكايات السرايا الصفراء

أسماء صبحي
كانت بداية السرايا الصفراء مع أحمد بن طولون، الذي أمر ببناء مستشفى الأمراض العقلية والنفسية. في إحدى المناطق الصحراوية والتي تعتبر ثاني بيمارستان يتم بناؤه في الدولة الإسلامية بعد البيمارستان النوري في العراق.
بناء السرايا الصفراء
في العصر الفاطمي أطلق على تلك الصحراء الذي أقيمت عليه تلك المستشفى بـ”صحراء الريدانية”. نسبة إلى “ريدان الصقلي” حامل المظلة التي تظلل رأس الخليفة العزيز بالله الفاطمى بالله. و هو أول من أصلح صحرائها وأنشأ فيها بستانًا كبيرًا، فسميت المنطقة على اسمه.
بدأت تلك الصحراء الذهبية اللامعة تكتسب سمعة طيبة وتقديراً من أصحاب السلطة. فقد قام السلطان قلاوون، بتأسيس الـ “بيمارستانات” اى المستشفيات على هذه الصحراء. وكان المقصود بها أن تكون مكان للاستشفاء، وعلاج جميع الأمراض بمختلف فروع الطب المتباينة ومن ضمنها الأمراض العقلية. وبمرور الزمن تدهور الحال بهذه المستشفيات بسبب ظلم وإهمال المماليك. وتبديدهم لأموالها وتأجير قاعاتها ومرافقها كوكالات ومخازن لصناع وتجار النحاس. فهجرها المرضى تدريجياً ولم يعد بها سوى المرضى العقليين الذين تدهورت حالتهم إلى حد كبير.
ظل الأمر هكذا إلى أن خضعت مصر للحكم العثماني. فقام محمد علي باشا والى مصر ومؤسس الأسرة العلوية بنقلهم إلى مستشفي خاصة بالأمراض العقلية تم تاسيسها في الأزبكية. اضافة إلى مستشفى آخر أسسه في منطقة ورش الجوخ ببولاق.
صحراء العباسية
عندما اعتلى عباس حلمي الأول، ثالث حكام الأسرة العلوية عرش مصر أعاد اكتشاف تلك المنطقة. وكان مقر إقامه عباس حلمى الأول بالقلعة، ولكنه كثيرًا ما كان ينزل من منها إلى صحراء الريدانية. فأعجب بتلك المنطقة، ورمالها الذهبية والجو المعتدل فأسماه بـ “صحراء العباسية“. بعد أن أمر بتشييد سرايا له فيها، بناه فوق ربوة عالية لا تصل إليها مياه الفيضان. عرف باسم “الخمس سرايات” كما عرف أيضًا باسم السرايا الحمراء الذي ذكره فرديناند ديليسبس بقوله: “إن نوافذه بلغت ألفي نافذة. وهو مثل مدينة فى الصحراء”. ثم أقام عددًا من المدارس العسكرية، وشق طريقًا ممهدًا بين العباسية والقاهرة.
لم يستمر عباس الأول وقتاً طويلًا بالحكم حيث تم اغتياله إثر مؤامرة داخل قصره ببنها في ١٣ يوليو ١٨٥٤م. نتيجة مؤامرة من مؤامرات القصور، حيث كانت له حاشية من المماليك المقربين له يرأسهم خليل درويش بك الذي أساء معاملة باقي المماليك. مما أدى لوقوع مشادات بينهم انتهت بجلدهم وتعذيبهم وتجريدهم من رتبهم العسكرية وإلحاقهم بالعمل كخدم في اسطبلات الخيول الملحقة بالقصر.
نفذ المؤامره اثنين من العبيد قبض عليهم وتم حبسهم في قصر العباسية، وبعد فتره من حبس القاتلين انفرادي في القصر أصيبوا بالجنون فعلياً. فأصدر والى مصر سعيد باشا مرسومًا بإيداع كل من يعثر عليه مجنونا أو مجذوبا قصر العباسية.
تطوير السرايا الصفراء
اكتظ القصر عن بكرة أبيه بالمجاذيب من كل مصر المحروسه. حتي أصيبوا بمرض اخر اسمه المنخوليا “مرض القلق الدائم و التعصب الحاد كنتيجة لضغوط الازدحام والاكتظاظ” فأمر سعيد باشا بأن تقدم لهم الرعاية الإنسانية والصحية المتوفرة
اعتلى الخديوي إسماعيل عرش مصر خلفًا لوالده سعيد باشا الذي قرر نقل هؤلاء المرضى المساكين إلى مستشفى الأزبكية مرة أخرى. ولكن ومع زيادة النفوذ البريطاني، زار وفد من الأطباء الإنجليز مستشفي الأزبكية وقالوا إنها لا تصلح للعلاج ولا تساير المعايير العالمية. وإنه لابد من تدخل الحكومة البريطانية لبناء مستشفى جديدة. فأغلقت المستشفيات القديمة وتم بناء مستشفًا جديدًا أقيم في نفس مكان القصر الأصلي لعباس حلمي الأول.
كان الطريق المؤدي إلى مستشفى العباسية يسمى قديماً بشارع إسبتالية المجاذيب. وكتبت لافتة بذلك باللغتين العربية والفرنسية، ومازالت اللافتة موجودة كأثر حتى الآن.
تسمية السرايا الصفراء
في عام 1883، وفي عهد الخديوى توفيق شب حريق ضخم في المبنى، فالتهمته النيران وأتت عليه تمامًا. إلا مبنى صغير من طابقين تم طلاؤهما باللون الأصفر. وكانت هذه بداية التسمية بالسرايا الصفراء والتي استمرت إلى الآن فى الوعي الجمعي للمصريين لما يقرب المائة عام من الزمن.
أما في عهد الخديوي عباس حلمى الثاني، أخذت المستشفيات العقلية شكلاً نظامياً عندما تولى إدارتها الطبيب الإنجليزي الدكتور وارنج. الذي وضع أسسًا لقبول ودخول وخروج المرضى من وإلى المستشفى. كما قام ولأول مرة بتخصيص عنابر للنساء مغلقة محكمة الغلق على النظام الألماني.
بدأ تنظيم العمل بالمستشفىات العقلية والنفسية طبقا للأمر الإداري لعام 1910. ثم قانون مستشفى المجاذيب عام 1922 والذي تضمن قانون “التمرجية”. ثم تلا ذلك قانون 141 لسنة 1944 وهو القانون المعمول به للآن
ظلت المستشفى على حالها حتى الآن، ولكن أجزاء كثيرة من مساحة المستشفى اقتطعت مع الوقت. منها حديقة العروبة التي أخذتها محافظة القاهرة، وأرض المعارض ووزارة الاستثمار التي أخذتها وزارة الاستثمار. والمعهد القومي للتدريب الذي ضمته وزارة الصحة.