عودة ابو تايه زعيم الحويطات ورأس حربة الثورة العربية الكبرى
يعد الشيخ عودة ابو تايه واحدا من أبرز رجال البادية الذين تركوا بصمة عميقة في تاريخ المنطقة العربية، فقد لمع اسمه بين قبائل الصحراء الممتدة من سيناء شمالا مرورا بجنوب فلسطين ووسط الاردن وصولا الى الحجاز وصحراء النفوذ في شبه الجزيرة العربية، وكانت قبيلته الحويطات تمثل قوة ضاربة يهابها الجميع بسبب نفوذها واتساع مناطق سيطرتها.
تحالف ابو تايه مع الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى، وسار معه في مواجهة الدولة العثمانية خلال سنوات ضعفها الاخيرة، وخاض الى جانبه معارك مفصلية غيرت شكل المنطقة، ابرزها معركة السيطرة على مدينة العقبة في جنوب الاردن التي اعتبرها الكثيرون من اهم محطات الثورة.
مولد ونشأة عودة ابو تايه
تختلف الروايات التاريخية بشأن ميلاد عودة ابو تايه، الا ان اغلبها يتجه الى انه ولد في منطقة راس النقب جنوب الصحراء الاردنية عام 1850 او بعده بفترة قصيرة، وكان والده حرب ابو تايه شيخ قبيلة الحويطات، وجاء عودة رابعا بين خمسة اشقاء اضافة الى اخت واحدة.
حرص والده على تنشئته بأسلوب صارم، فعلمه مبكرا فنون الفروسية واستخدام السلاح واصول القيادة، وهي الصفات التي جعلت القبيلة ترى فيه خليفة طبيعيا لمنصب الزعامة، ومع مرور الوقت اكتسب قوة وشهرة بين رجال الصحراء بعد ان قاد غزوات كثيرة وصلت حتى شمال بلاد الشام، كما قاد حملات ضد القوات البريطانية في العراق، ومن هنا منحته القبيلة لقب عقيد القوم اي القائد الذي يتفق عليه الجميع دون خلاف.
شارك ابو تايه بنفسه في كل معركة خاضها، وكان يتقدم فرسانه بلا تردد، وهو ما زرع الخوف في قلوب خصومه، وترك على جسده آثار جروح واصابات كثيرة نتيجة كثرة المواجهات التي خاضها طوال حياته.
الدور التاريخي
حظي ابو تايه بنفوذ كبير في الصحراء، حتى ان المرور في مناطق سيطرة الحويطات كان يحتاج الى اذن مباشر منه، ومع تدهور علاقة البدو بالدولة العثمانية خاصة بعد وصول حزب الاتحاد والترقي للحكم عام 1909، ظهر موقف ابو تايه الرافض لسياستهم، وتقارب مع الشريف الحسين بن علي الذي كان يعد للثورة.
التقى طموح الرجلين في هدف واحد، وهو انهاء الحكم العثماني وبناء دولة عربية واسعة يقودها الشريف الحسين في الاردن والعراق، مع توسيع نفوذ الحويطات داخل مناطقهم، فبدأت قبيلة الحويطات بشن غارات قوية على المواقع العثمانية، واصبحت رأس الحربة في جيش الثورة العربية الكبرى عام 1916.
قاد ابو تايه سلسلة معارك شرسة ضد العثمانيين، وكان اهمها السيطرة على مدينة العقبة وقلعتها، كما تقدم بفرسانه داخل جنوب الاردن حتى بسط سيطرته على مساحات واسعة وطرد القوات العثمانية منها، وقدم الشريف الحسين بن علي اليه سيفا تعبيرا عن تقديره لدوره الكبير، وواصل ابو تايه بعدها القتال ضمن جيش الملك فيصل المتجه نحو سوريا.
اشاد به القادة الانجليز في تلك الفترة، وكان لورنس العرب اكثرهم حديثا عنه، حيث وصف بأسلوب تفصيلي شجاعته وقوته وحكمته القيادية، كما سجل المؤرخون العرب والاجانب اثرا واضحا لدوره في تغيير مسار الاحداث آنذاك.
وفاة عودة ابو تايه
عانى عودة ابو تايه من خيبة امل كبيرة بعد النتائج التي آلت اليها الثورة العربية الكبرى وسيطرة بريطانيا على المناطق التي تم تحريرها من العثمانيين، وعاش سنواته الاخيرة وهو يعاني المرض حتى توفي في احد مستشفيات القدس عام 1924، وتشير المصادر التاريخية الاردنية الى انه دفن في عمان على الارجح في منطقة راس العين.



