كتابنا

د . سهام عزالدين جبريل تكتب … معركة العالم المفتوحة ضد العبودية المعاصرة

د. سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا 

استوديو التحليل
اليوم الدولي لإلغاء الرق:
معركة العالم المفتوحة ضد العبودية المعاصرة

 

في الثاني من ديسمبر من كل عام، يقف العالم أمام واحدة من أكثر الجرائم اللاإنسانية التي رافقت التاريخ البشري بصور متعددة: الرق. ويأتي الاحتفال باليوم الدولي لإلغاء الرق في ذكرى اعتماد اتفاقية منع الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير الصادرة عام 1949، ليعيد تسليط الضوء على معركة لا تزال مفتوحة رغم مرور عقود طويلة على تجريم الرق وإدانته عالميًا.

*من الرق التقليدي إلى العبودية المعاصرة
مازلت اذكر كتاب التاريخ الذي كنا ندرسه في مرحلة الماجستير عن تاريخ العبودية في افريقيا وكيف مارس الاستعمار الاوربي ذلك مع ابناء القارة الإفريقية وكيف كان يخطف الشباب والاطفال وينقلوا مقيدين علي طاولات في السفن لنقلهم وبيعهم لاستغلالهم لتعمير العالم الجديد
وكيف تم إبادة شعوب باكملها وإخلاء قارات العالم الجديد للمستعمر الاوربي
كيف صنع هؤلاء حضارتهم علي اجساد البسطاء من الابناء الاصليين لهذه الارض كيف كان الرق تجارة لشركات عالمية تتاجر بكرامة البشر؟؟؟
ورغم أن الرق بمعناه القديم لم يعد مقبولًا أو مشرّعًا في أي دولة بالعالم، فإن أشكاله لم تختفِ، بل تطورت لتصبح أكثر خفاءً وتعقيدًا. فالأمم المتحدة تؤكد أن العالم لا يزال يشهد أنماطًا حديثة من الرق تشمل:

-العمل القسري والاستغلال الاقتصادي للمهاجرين.

-الاستعباد المنزلي وحرمان العاملين من حقوقهم الأساسية.

-الاتجار بالأعضاء البشرية.

-الزواج القسري خاصة بين النساء القاصرات.

-الاستغلال الجنسي للفتيات والنساء.

-تجنيد الأطفال قسرًا في الصراعات المسلحة.

وهي جميعها ممارسات تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، وتُدار عبر شبكات منظمة تحقق أرباحًا هائلة من استعباد البشر.

*أرقام صادمة: أكثر من 40 مليون ضحية

تشير تقديرات الأمم المتحدة لعام 2022 إلى أن أكثر من 40 مليون إنسان حول العالم يعيشون تحت وطأة العبودية الحديثة. وتشمل هذه الأرقام:

25 مليونًا ضحايا للعمل القسري.

15 مليونًا ضحايا الزواج الجبري.

واحدًا من كل أربعة ضحايا طفل لم يتجاوز الثامنة عشرة.

النساء والفتيات يشكلن 71% من إجمالي الضحايا.

هذه الأرقام، رغم صدمتها، ليست سوى جزء من الواقع، إذ إن كثيرًا من حالات الاتجار بالبشر لا تُكشف إطلاقًا بسبب الخوف أو ضعف آليات الرصد.

فئات أكثر هشاشة وتأثيرًا أكبر

وفي رسالته بهذه المناسبة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن الفئات الفقيرة والمهمشة، والأقليات العرقية والإثنية، والشعوب الأصلية، والمهاجرين هم الأكثر عرضة للوقوع ضحايا للرق المعاصر. كما أشار إلى أن عدم المساواة بين الجنسين يعزز الاستغلال ويزيد من احتمالات تعرض النساء والفتيات لمخاطر العبودية.

*لماذا نحتفل؟ وما الذي يعنيه هذا اليوم؟

يمثل هذا اليوم مناسبة عالمية

التذكير بأن الرق لم ينتهِ رغم إدانته دوليًا.

توحيد الجهود الدولية لملاحقة شبكات الاتجار بالبشر.

تعزيز التشريعات لحماية الفئات الأكثر هشاشة.

رفع الوعي لدى المجتمعات بطرق الوقاية من الاستغلال.

فالاحتفال هنا ليس احتفالًا بالذكرى، بل التزامٌ أخلاقي وسياسي بمواصلة معركة حماية الكرامة الإنسانية.

*ختامًا: الطريق ما زال طويلًا

إن القضاء على الرق يتطلب إرادة دولية قوية، وتشريعات صارمة، وتعاونًا بين الدول، إضافةً إلى وعي مجتمعي يحصّن الأفراد من الوقوع في شبكات الاتجار. وما لم تُعالج جذور المشكلة—مثل الفقر، التهميش، النزاعات، والتمييز—ستبقى العبودية الحديثة واقعًا مؤلمًا يطال ملايين البشر.

ويظل اليوم الدولي لإلغاء الرق مناسبة لتجديد العهد بأن كرامة الإنسان ليست قابلة للمساومة، وأن العالم لن يكون إنسانيًا بحق إلا إذا أنهى آخر شكل من أشكال استعباد البشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى