تاريخ ومزارات

قلعة راشيا حكاية الاستقلال في قلب وادي التيم

تقع قلعة الاستقلال التي تعرف بحصن اثنين وعشرين تشرين الثاني في البلدة والقضاء المتجانسين في قلب وادي التيم، في الجزء الجنوبي من سلسلة جبال لبنان الشرقية، وعلى مسافة تقترب من اربعة وثمانين كيلومترا جنوب غرب بيروت، وعشرة كيلومترات فقط من الحدود مع سوريا، وتحمل القلعة تاريخا يمتد عبر الحقبات الرومانية والعربية والصليبية والعثمانية، وتقف على ارتفاع يصل الى الف واربعمائة متر فوق سطح البحر، وتطل من ثلاثة منحدرات مقابلة لقمم حرمون وتشرف على الاراضي السورية والفلسطينية.

تاريخ قلعة راشيا

يعود تاريخ بناء القلعة الى عهد الرومان الذين شيدوها لتكون حصنا يراقب القوافل التجارية، وفي العام الف وتسعة وتسعين وصل الصليبيون الى المنطقة واختاروا القلعة موقعا حصينا لهم بسبب موقعها الاستراتيجي الذي تحيط به المنحدرات من ثلاث جهات وتواجه من الجهة الرابعة قمة حرمون المطلة على الاراضي السورية والفلسطينية واللبنانية، وشهدت القلعة خلال تلك الفترة عددا كبيرا من الغزوات والمعارك وتحولت الى حصن دفاعي ومركز تدريب للجنود.

وخلال الفترة العثمانية وبعد تسلم الشهابيين الحكم اتخذت العائلات الحاكمة من قلعة راشيا مقرا رئيسيا لها، فقام الشهابيون بتوسيع القلعة واضافوا اليها التصاميم الشرقية التي ظهرت بوضوح في القناطر العثمانية التي زينت واجهتها الجنوبية الغربية، كما اعادوا ترميم البرج الضخم الذي شيده الصليبيون في العام الف ومئة واثنين وسبعين.

وفي اثنين وعشرين تشرين الثاني الف وتسعمائة وخمسة وعشرين شهدت البلدة واحدة من اشرس المعارك خلال الاحتلال الفرنسي عندما تمركزت القوات الفرنسية داخل القلعة، فقام الجنود بتشييد السور الشرقي واعادة ترميم اجزاء من القلعة باستخدام حجارة المنازل المحيطة، ودخل مقاتلو الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش اسوار القلعة لتحريرها من القوات الفرنسية، وسقط عدد كبير من الشهداء من ابناء راشيا والجوار.

ويروي زاهر من راشيا نقلا عن احد كبار السن ان المظاهرات اشتعلت في مختلف المناطق اللبنانية بعد الاعتقالات السياسية التي نفذها الفرنسيون، وانتشر العصيان المدني في البلاد لمدة اثني عشر يوما على الرغم من التشديدات العسكرية، وكانت الرسائل تنتقل بين المعتقلين والثوار عبر حلاق في راشيا كان يخفيها داخل موس الحلاقة كي لا يكتشفها الجنود الفرنسيون.

وفي ليل العاشر من تشرين الثاني العام الف وتسعمائة وثلاثة واربعين اقدمت القوات الفرنسية على اعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح ووزير الخارجية والاشغال العامة سليم تقلا ووزير الداخلية كميل شمعون والنائب عبد الحميد كرامي وعادل عسيران، ونقلت المعتقلين الى داخل القلعة ردا على مواقفهم التي طالبت بالاستقلال.

وفي اثنين وعشرين تشرين الثاني العام الف وتسعمائة وثلاثة واربعين خرج المعتقلون من القلعة بعد ان عم العصيان المدني وارتفع الضغط الشعبي واندلعت المظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية، فقرر الجنرال الفرنسي كاترو الافراج عنهم، وتحول هذا التاريخ الى يوم الاستقلال اللبناني.

ويصف زاهر المشهد عندما تجمعت حشود كبيرة من اللبنانيين في حرم القلعة وحملوا بشارة الخوري ورياض الصلح على اكتافهم حتى وصولهم الى اسواق راشيا ليشاركوا في اول احتفال استقلالي في تاريخ لبنان.

واعترفت الحكومة الفرنسية بعد ذلك باستقلال لبنان الكامل فصار دولة مستقلة ذات سيادة، واعتمدت الدولة علما جديدا في صيغته الحالية وكتبت نشيدا وطنيا خاصا بها، وتسلم اللبنانيون ادارة بلادهم ومؤسساتهم الرسمية وبنوا الجيش الوطني، كما شارك لبنان بعد الاستقلال في توقيع بروتوكول الاسكندرية وتأسيس جامعة الدول العربية، ولا يزال حتى اليوم يعمل وفق الميثاق الوطني الذي مهد لمرحلة الاستقلال وقام على تفاهم غير مكتوب بين المسلمين والمسيحيين يقضي بتوزيع السلطة بين الطوائف عبر تسليم رئاسة الجمهورية للمارونية المسيحية ورئاسة الوزراء للمسلمين السنة ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى