تاريخ ومزارات

قلعة بني حماد: جوهرة الحضارة الحمادية وسر القوة في جبال المعاضيد

أسماء صبحي– قلب جبال المعاضيد بولاية المسيلة وسط الجزائر، ترتفع قلعة بني حماد كأحد أهم المعالم التاريخية الإسلامية في شمال إفريقيا. وواحدة من أقدم العواصم التي شهدت ازدهارًا سياسيًا وثقافيًا خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين. وهذا المكان ليس مجرد أطلال تاريخية، بل شاهد حي على دولة قوية تركت بصمتها في التاريخ المغاربي. وأصبحت آثارها اليوم مرجعًا عالميًا للباحثين في فنون العمارة الإسلامية المبكرة.

بناء قلعة بني حماد

بنيت القلعة سنة 1007 ميلادية على يد حماد بن بلكين مؤسس الدولة الحمادية. وكانت أول عاصمة رسمية لهذه الدولة القوية التي احتضنت العلماء والشعراء والفقهاء، وامتدت حدودها حتى تونس والمغرب. واختار الحماد موقعها المرتفع بعناية شديدة، فقد زرعت في وسط جبال شاهقة تمنحها حماية طبيعية. مما جعلها مدينة منيعة يصعب اقتحامها.

وفي فترة قصيرة تحولت القلعة إلى مركز حضاري مزدهر، شُيّدت فيه القصور والمساجد والحمامات والأسواق. حتى أصبحت واحدة من أكثر المدن نشاطًا في العالم الإسلامي.

معمار مذهل يسبق عصره

تعد القلعة نموذجًا فريدًا للعمارة الإسلامية في المغرب العربي، إذ تجمع بين البساطة والقوة من جهة، والزخرفة الراقية من جهة أخرى. ومن أبرز ما يميزها:

  • المنارة الشهيرة (منارة الجامع) التي تعد من بين أقدم المنائر في الجزائر.
  • قصر السلام الذي كان مقرًا للحكام ويعتبر تحفة هندسية بفضل زخارفه الهندسية والأقواس الرائعة.
  • الأسوار الدفاعية الضخمة التي تضم عدة بوابات، وتظهر براعة في التصميم العسكري.
  • الحمامات والأسواق التي تظهر أن القلعة كانت مدينة كاملة ذات حياة اجتماعية واقتصادية مزدهرة.

وكانت القلعة تضج بالحياة، بمستوى راقي من العمارة لا يقل جمالًا عن مدن مثل القيروان وفاس في تلك الفترة.

مكان لا يزال ينبض بالأساطير

يحكى أن القلعة كانت موطنًا لقصص الحب والشعر والحياة الملكية الباذخة. وتروي المصادر أن الأمير يوسف بن تاشفين مر بها في سياق الفتوحات وأنها كانت مقصدًا لكبار العلماء من الأندلس والمشرق.

كما يربط سكان المسيلة عددًا من الأساطير الشعبية بالقلعة حيث يقال إن بعض أنفاقها الجبلية لا يزال مجهولًا حتى اليوم. وإن المدينة كانت تضم غرفًا سرية استخدمها الحكام كملاذ آمن في أوقات الحروب.

القيمة العالمية للقلعة

في عام 1980، أدرجت قلعة بني حماد ضمن قائمة التراث العالمي نظرًا لقيمتها المعمارية والتاريخية الاستثنائية. وتعتبر القلعة اليوم واحدة من أكثر المواقع الأثرية جذبًا للباحثين، حيث تجرى فيها أعمال ترميم وتنقيب مستمرة للكشف عن تفاصيل جديدة من تاريخ الدولة الحمادية. وأعاد هذا التصنيف العالمي إحياء الاهتمام بالموقع. وسمح بتطوير برامج لإحياء السياحة الثقافية في ولاية المسيلة التي أصبحت اليوم قبلة لعشّاق التاريخ.

ويقول الباحث في الآثار الإسلامية الدكتور سليم قيدوم، إن قلعة بني حماد ليست مجرد آثار حجرية، بل هي شهادة حية على مرحلة ذهبية صنعتها الدولة الحمادية. لقد أبدع الحماديون في العمارة والهندسة والتخطيط. وما وصلت إليه القلعة من رقي يثبت أنهم كانوا في مقدمة الحضارة في زمنهم.

ويضيف: “الدراسات الحديثة تكشف كل عام تفاصيل جديدة عن القلعة، وتؤكد أنها كانت مدينة ضخمة تستوعب آلاف السكان. وأن بعض القصور لم يُكشف عنها بالكامل حتى الآن”. ويشدد على أهمية الاستثمار في السياحة الثقافية حول الموقع مؤكدًا أن القلعة قادرة على جذب آلاف السياح إذا توفرت البنية التحتية المناسبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى